رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النهارده «جمعة ختام الصوم»



اليوم الجمعة تقيم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية صلوات وطقوس جمعة ختام الصوم الكبير، وهى آخر جمعة فى الصوم الكبير قبل «أسبوع الآلام» الذى يسبق عيد القيامة المجيد. وعرف هذا اليوم بجمعة ختام الصوم، لأن به تختتم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية صوم الأربعين المقدسة، وقبل بدء القداس يقام سر مسحة المرضى، الشهير بـ«القنديل العام» لجميع الأقباط الحضور.
وأسبوع الآلام ملىء بالذكريات المقدسة فى أخطر مرحلة من مراحل الخلاص، وأهم فصل فى قصة الفداء، وقد اختارت الكنيسة لهذا الأسبوع قراءات معينة من العهدين القديم والحديث، كلها مشاعر وأحاسيس مؤثرة للغاية توضح علاقة الله بالبشر. كما اختارت له مجموعة من الألحان العميقة، ومن التأملات والتفاسير الروحية.
ويسمونه أسبوع الآلام، أو أسبوع البصخة المقدس، أو الأسبوع المقدس.
ففى اللغة الإنجليزية يقولون عنه The Holy Week «الأسبوع المقدس»، وكل يوم فيه هو أقدس يوم بالنسبة إلى اسمه فى السنة كلها. فيوم الخميس مثلًا يسمونه The Holy Thursday أى الخميس المقدس. ويوم الجمعة يسمونه The Holy Friday أى الجمعة المقدسة، وهكذا.
فى وصف وتاريخ أسبوع الآلام، يقول لنا قداسة البابا شنودة الثالث: «أعمدة الكنيسة ملفوفة بالسواد. الأيقونات أيضًا مجللة بالسواد. وكذلك المانجليا، وبعض جدران الكنيسة.. الألحان حزينة، والقراءات عن الآلام وأحداث هذا الأسبوع. المؤمنون جميعًا بعيدون عن كل مظاهر الفرح. السيدات تحرم عليهن الزينة خلال هذا الأسبوع. فلا يلبسن الحلى ولا يتجملن ولا يظهر شىء من ذلك فى ملابسهن.. الحفلات طبعًا كلها ملغاة. الكنيسة كلها فى حزن وفى شركة آلام المسيح. وكانت الكنيسة فى هذا الأسبوع تعيش فى نسك شديد.
بعض النساك كانوا يطوون الأسبوع كله، أو يطوون ثلاثة أيام ويأكلون أكلة واحدة. ثم يطوون الثلاثة أيام الباقية. وكثير من المؤمنين كانوا لا يأكلون شيئًا من الخميس مساءً حتى قداس العيد، وغالبيتهم كانوا لا يأكلون فى أسبوع الآلام سوى الخبز والملح فقط وإن لم يستطيعوا، فالخبز والدقة. أما الضعفاء، فعلى الأقل كانوا لا يأكلون شيئًا حلو المذاق من الطعام الصيامى كالحلوى والمربى والعسل مثلًا. لأنه لا يليق بهم أن يأكلوا شيئًا حلوًا وهم يتذكرون آلام الرب لأجلهم. كما كانوا لا يأكلون طعامًا مطبوخًا بسبب النسك من جهة، ولكى لا يشغلهم إعداد الطعام عن العبادة من جهة أخرى. وفى كل هذا النسك كانوا يذكرون آلام السيد المسيح».
الكنيسة اليوم تقيم صلاة سر مسحة المرضى «القنديل»، فمن المحتمل أن يكون البعض قد تعرض لإعياء شديد نتيجة الصوم، كما أن الكنيسة تهتم بعمل ذلك قبل الدخول فى أسبوع الآلام، حيث لا يجوز عمل أى من هذه الطقوس أثناءه، ومثله الجناز العام بعد غدٍ الأحد، لأنها ستتفرغ للاحتفال بآلام الرب. والكنيسة تسلمت هذا السر من الرب نفسه الذى أمر تلاميذه بأن يشفوا المرضى، وهم بدورهم جاء عنهم «فى مرقس ٦» أنهم دهنوا بزيت مرضى كثيرين فشفوهم.
وفى رسالة كتبها بالمناسبة الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا.. تهديد هيرودس: كان هيرودس فى منطقة الجليل أو بيرية فى الشمال، كان قد سمع بأعماله، فقال: «هذا هو يوحنا الذى قَطَعتُ أنا رأسَهُ. إنَّهُ قامَ مِنَ الأمواتِ!» (مرقس ٦: ١٦)، ولما طلب أن يراه لاحقًا تمنى أن يصنع آية أمامه، فرفض المسيح لأن الآيات لها ضرورة وليست للتباهى، ومن ثَمّ أعاده إلى بيلاطس حتى لا يلوّث يديه بقتله كما فعل مع يوحنا. وهنا إذا كان صادقًا فهو يريد أن يهدده لينصرف دون أن يحدث شغبًا، ولكن الرب استخف بتهديد هيرودس، فقد اتخذ قراره بأن يسلّم نفسه للموت ولذلك فأيامه معدودة، لقد قرر أن يخلصنا بموته «أمّا يَسوعُ.. إذ كانَ قد أحَبَّ خاصَّتَهُ الذينَ فى العالَمِ، أحَبَّهُمْ إلَى المُنتَهَى» (يوحنا ١٣: ١). فماذا يعنى تهديد هيرودس؟ رد الرب بأنه لا بد أن يكمل «أشفى اليومَ وغدًا، وفي اليومِ الثّالِثِ أُكَمَّلُ» (لوقا ١٣: ٣٢)، ويقصد أن أيامى معدودة. تحذير أورشليم: «يا أورشليم يا أورشليم»، مثل مناداته: سمعان سمعان، مرثا مرثا، شاول شاول... إلخ، فهو ينادى كل نفس باسمها.. وتُسمّى هذه «مرثية أورشليم» وهى بكاء الحب، إنهم لا يشعرون بمحبته، أو يحتقرون تلك المحبة، وعندما يقول «كم من مرة...» فهو يعنى أنه ألحّ فى التنبيه ولكنهم لم ينتبهوا، وفرد جناحيه لهم ليحتموا بها ويختبئوا من الشرور، ويبيتوا فى ظلّ العلىّ، ولكنهم رفضوا، وأكملوا مشورتهم.. إن الله هنا لم يرفع يده عليهم، كلا! بل يرفع يده عنهم، وما دام هذا رأيهم فالنتيجة الحتمية هى خراب أورشليم. مبارك الآتى باسم الرب: المقصود هنا ليس أن يُقال هذا فى دخول الرب أورشليم بعد يومين فقط، وإنما فى كل مرة يرجع فيها شخص إلى الرب.