رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نجلاء علام: الكتابة هي القادرة على احتواء الذات في عصر الاغتراب

نجلاء علام
نجلاء علام

من المؤكد أن العالم ما بعد وباء كورونا لن يعود كما كان قبله، وسيأتي اليوم الذي يؤرخ فيه بالوباء، وربما قيل الوقائع الفلانية حدثت قبله أو بعده، وبعيدا عن روايات أو عالم الــ«ديستوبيا»، استطلعت «الدستور» آراء العديد من الكتاب والمثقفين حول هذا الفيروس القاتل، وكيف يتخيل الكتاب شكل العالم بعده؟ وما التأثير الذي سيتركه على الأدب، وعليهم شخصيا، وهل سيفرض هذا الوباء نفسه على الكتابة فيما بعد، أو حتى تداعياته والتأثير الذي تركه على العالم كما نعرفه؟ كل هذه الأسئلة وغيرها في محاولة لاستشراف عالم الغد.

تقول الكاتبة "نجلاء علام": يمكننا تخيل عدة سيناريوهات للعالم ما بعد كورونا، وهي:

السيناريو الأول: مأساوي بامتياز بالطبع، فالناس تحب المأساة، وهذا السيناريو يصور فيروس كورونا على أنه أكبر عملية تدمير ذاتي قام بها الإنسان على الأرض، فخفافيش الظلام المتمثلة في القوى الاقتصادية الكبرى والمؤسسات العابرة للقارات ومعهم ثعابين العلم والمتمثلة في عَالم مخترع مجنون ذي شعر منكوش يعملون معا على إطلاق هذا الفيروس، للقضاء على نسبة من (الشغيلة) في العالم وأولهم شغيلة الدول المتقدمة نفسها، إذ يمكن بعملية حسابية بسيطة حساب تكلفة بقاء واحد من الشغيلة على قيد الحياة وخاصة إذا بلغ الستين، مأخوذا في الاعتبار تكلفة العلاج والرعاية الصحية، بالتأكيد هي أموال مهدرة "من وجهة نظر القوى الاقتصادية العالمية"، وبالتأكيد مجموع هذه الأموال يحد من تعاظم الثروات، ناهيك عن استنزاف موارد الأرض، فالكل بالنسبة لهذه القوى قطيع (شغيلة)، وبلغة الاقتصاد فإن كل مؤسسة تحسب المنفعة الحدية لعدد العمالة الموجودة لديها، حتى لا تتعدى أو تطغى تكلفتهم على منفعتهم.

وأضافت: وبالطبع سيتم إعادة النظر في المقولات التي لم تؤت ثمارها في الفترة الماضية مثل: السلام العالمي، وقبول الآخر،...إلخ، التي كان الإعلام يتشدق بها في السنين الرمادية التي عاشها العالم في الأربعين أو الثلاثين سنة الماضية، لا بد أن يحتوي السيناريو على مشهد هزلي يعبر عن "الخناقات" الظريفة بين الشيوعية والرأسمالية، رغم أن كلاهما سقط، وبين الديمقراطية والديكتاتورية، رغم أن كلاهما أيضًا سقط.

ولا بد من ختام لهذه المأساة فتنتشر النزعات العرقية وتقوم الحرب العالمية الثالثة، وبعدها يبدأ الصراع الأزلي بين الأديان.

استطردت: السيناريو الثاني، سيناريو البطل، فالناس تحب البطل المُخَلّص وخاصة إذا كان رياضيًا وممشوق القوام، وهذا السيناريو يفترض قيام واحد من "الشغيلة" بالمقاومة ويستطيع بالتعاون مع عالم "طيب" القضاء على الفيروس وتحرير العالم، وطبعًا لازم بطلة ممكن أن تكون عازفة على الكمان، فالفن له دور دائمًا في استمرار الحياة على كوكب الأرض.

السيناريو الثالث: أن يدرك الإنسان على هذا الكوكب قيمة وجوده، جميعنا نعيش على هذا الكوكب، جميعنا كأسنان المشط متساوون، ولا فرق بين عالم أول وعالم ثالث، فالدول الغنية تعيش لأن الدول الفقيرة موجودة فإذا محيت ستمحى الدول الغنية أيضا، ربما تكون الفرصة الأخيرة لاستيعاب الدرس.

آه، بالمناسبة نسيت شيئًا هامًا بالتأكيد ستنتهي أكذوبة رحلات الفضاء السياحية من القمر إلى المريخ، هكذا تتابع.

"لن ينهي فيروس كورونا الحياة على كوكب الأرض، لدى الجنس البشري فرصة للاستمرار بضع آلاف من السنين يمثلون تقريبًا اليوم الأخير للبشرية، فمثلا إذا كان مقدرًا للإنسان أن يبقى سبعة أيام على الأرض، فقد مرت ستة أيام بالفعل ونحن نعيش في اليوم الأخير".

واختتمت "علام": "أما الكتابة فأعتقد أنها تعكس وترصد روح كل عصر مرت به، وطريقة تفكير الإنسان في هذا العصر، والخريطة النفسية له، والخصائص المميزة للسلوكيات الجماعية، وبالنسبة لعصر ما بعد كورونا، واسمحوا لي أن أطلق عليه "عصر التشتت" لأن التشتت هو نتاج طبيعي للمعرفة، الجاهل لا يتشتت لأنه ليس لديه اختيارات وبدائل، ولا يملك أسئلة جديدة يلقيها إلى بحر المعرفة، والكتابة تستطيع أن تقوم بهذا الدور فهي تقرب الإنسان من ذاته، وتطرح البدائل والتساؤلات".

"فالكتابة هي القادرة على احتواء الذات في عصر الاغتراب، فالإنسان يشعر بالاغتراب حين ينظر لكل ما يحيط به ولا يستطيع أن يحتويه داخل ذاته ويعيد إنتاجه والتماس معه من زواية هذه الذات، فمعرفة الذات هي المفتاح للتواصل مع العالم".