رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سعيد ناشيد: كورونا سيكرس مفهوم وحدة النوع البشرى أدبيًا

سعيد ناشيد
سعيد ناشيد

من المؤكد أن العالم ما بعد وباء كورونا لن يعود كما كان قبله، وربما سيأتي اليوم الذي يؤرخ فيه بـ"الكورونا" وربما قيل الوقائع الفلانية حدثت قبل أو بعد الكورونا. وبعيدا عن روايات أو عالم الـ"ديستوبيا" استطلعت "الدستور" آراء العديد من الكتاب والمثقفين حول هذا الفيروس القاتل، وكيف يتخيل الكتاب شكل العالم ما بعد الكورونا؟ وما التأثير الذي سيتركه علي الأدب، عليهم شخصيا، وهل سيفرض هذا الوباء نفسه علي الكتابة فيما بعد، أو حتي تداعياته والتأثير الذي تركه علي العالم كما نعرفه؟ كل هذه الأسئلة وغيرها.. في محاولة لاستشراف عالم الغد.

يذهب المفكر المغربي "سعيد ناشيد" إلي أن: جائحة كورونا، أساسها فيروس جديد ظهر فجأة عقب طفرة سريعة في عالم الفيروسات، وفي لحظة مفاجئة وجد الظروف المؤاتية لكي يتفشى بسرعة قياسية خارج كل التوقعات، ثم استطاع خلال أسابيع معدودة أن ينتقل من وباء محلي ينتشر في إحدى مناطق الصين، إلى جائحة كونية تشمل البشرية جمعاء.

تابع "ناشيد" في تصريحات خاصة لـ"الدستور": يتعلق الأمر بكارثة كونية بكل المقاييس، بحيث فُرض الحجر الصحي على نصف البشرية ضمن وضع لم يسبق له مثيل في التاريخ، واضطرّت كثير من الدّول إلى إغلاق حدودها، مطاراتها، مدارسها، جامعاتها، فضلا عن المقاهي والمطاعم والملاعب والمعابد. يوميا يسقط مئات الموتى وآلاف المصابين من مختلف الدول والأعمار والطبقات، ويدفن كثيرون بدون طقوس للحداد، ما سيترك آلما دفينا في نفوس الأحياء ويتطلب إجراءات "علاجية" جماعية عقب نهاية الكارثة، وبهذا الصدد يمكنني أن أقترح عقب نهاية الجائحة إعلان يوم للحداد الوطني على سبيل.

بلا شك، فإن اقتصاديات كثيرة ستنهار، تكتلات كثيرة ستنتهي، معطيات كثيرة ستتغيّر، أسئلة جديدة ستتبلور، أو لنقل إنها أسئلة قديمة سيعاد طرحها بجدية أكبر هذه المرة، من قبيل الأسئلة التالية: مفهوم الشر ومنبعه؟ مفهوم الدولة ووظيفتها؟ الوضع البشري وهشاشته؟ الرهان على العلم وحدوده؟ الأمن الروحي ومآلاته؟ على الأرجح سنشهد عودة لمفهوم دولة الرعاية الاجتماعية، لا سيما وقد اكتشف الجميع بالدليل والبرهان أن قطاعي الصحة والتعليم سيمثلان بالنسبة لدول المستقبل رهانا استراتيجيا، نظرا إلى أن هذه الجائحة لن تكون الأخيرة، إذ يُتوقع أن تأتي جائحات مماثلة إن لم تكن أشدّ شراسة.

اختتم مؤلف "الحداثة والقرآن": ستشهد سلطة المؤسسات الدينية تراجعا كبيرا بعد أن تم الاستغناء عنها في ظروف الوباء القاسية، بل تم الاستغناء عنها حتى عن مراسيم الجنائز وطقوس الحداد، أو على الأقل ستشهد تلك المؤسسات الدينية تحولات في خطابها وأسلوب عملها وذلك لأجل استرجاع وظائفها. كما سيتم تكريس مفهوم وحدة النوع البشري داخل البرامج السياسية، وداخل المجالات الإبداعية، وداخل الإنتاجات الأدبية والفنية؛ فقد أسقطت كارثة كورونا إمكانية وجود مكان آمن، أو وضع اجتماعي آمن، أو شرط آمن.

لم تسمح هذه الجائحة بوجود مكان آمن طالما انتشرت في كل بقاع الأرض، كما أنها لم تسمح بوجود وضع اجتماعي آمن طالما أصابت منذ اللحظة الأولى أمراء ووزراء وأثرياء فضلا عن عامة المواطنين بلا أدنى تمييز. كما أن كثيرا من المؤسسات الإنتاجية والتكوينية والتعليمية والإدارية ستنتقل بنحو قد يكون تدريجيا لكنه نهائي، نحو تبني استراتيجيات العمل عن بعد، والتعلم عن بعد، ضمن ما يسمى بحضارة المستقبل. أما بخصوص مستقبل الفلسفة، وهو ما يقع ضمن مجال اشتغالي، فأعتقد أن ظروف هذا الجائحة الكونية التي لا أحد يعرف متى ستنتهي، هي فرصة للتأكيد على حاجة الممارسة الفلسفية اليوم إلى رد الاعتبار لعصور همشها تاريخ الفلسفة الرسمية، على رأسها عصر الفلسفة الرومانية، والذي يحفل بتراث زاخر بالتمارين الروحية حول فن العيش، والقدرة على مواجهة الكوارث والمآسي والخيبات، وذلك لكي لا يفقد الإنسان قدرته على الحياة، كيفما كانت الظروف.