رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وقاحة غربية عادية


صناعة التوابيت هى الوحيدة التى تنتعش، الآن، فى فرنسا. لكن بعض مواطنيها لم يتعظوا ولم يتخلوا عن عنصريتهم البغيضة، ضد شعوب قارة إفريقيا. وفى حين لم يصدر، إلى الآن، أى رد فعل رسمى على جريمة عنصرية، واضحة وفاضحة، حدثت الأربعاء، لا يزال الرئيس الفرنسى يحاول تمثيل ذلك الدور، الذى كثيرًا ما لعبه الأستاذان محمود الجندى وكمال أبورية!.

حتى يوم الجمعة، حصد الوباء أراوح أكثر من ٦ آلاف و٥٠٠ فرنسى، وأصاب حوالى ٦٤ ألفًا و٥٠٠ آخرين. ولا تزال مصانع التوابيت أو النعوش، التى قامت بزيادة معدلات إنتاجها اليومى، غير قادرة على الوفاء باحتياجات السوق. ومع ذلك، فوجئنا بطبيبين، أستاذين كبيرين، يعملان فى جهتين حكوميتين، يقترحان إجراء التجارب الخاصة بلقاح جديد على الأفارقة أولًا!.

طرفا تلك الجريمة، هما كاميل لوشت، مدير الأبحاث فى المعهد الوطنى الفرنسى للبحوث الطبية، وجان بول ميرا، رئيس وحدة العناية المركزة فى مستشفى كوشين بالعاصمة الفرنسية باريس. والاثنان كانا يتحدثان عن اللقاح الجديد، على قناة «إل سى آى»، الأربعاء الماضى. وبمجرد أن قال لوشت إن اللقاح ستتم تجربته فى أوروبا وأستراليا، سأله ميرا: «ألا تجب تجربته على الأفارقة أولًا، كما جرت التجارب بشأن الإيدز؟» وأوضح: «لا توجد لديهم أقنعة واقية أو علاجات أو رعاية صحية، ومعرضون للخطر بدرجة أكبر ولا يحمون أنفسهم». وبالوقاحة نفسها، رد لوشت: «أنت على حق». وأشار إلى أنهم يفكرون فى ذلك بالفعل!.

مر الأربعاء، الخميس، الجمعة، وأوشك السبت على الانتهاء، دون أن تحرك الحكومة الفرنسية ساكنًا، ولم يصدر تصريح عن أى جهة رسمية فرنسية يدين ما حدث. فقط، ذكرت شبكة مستشفيات باريس أن «ميرا» يعتذر «لمن تضرروا وشعروا بالإهانة» من من تصريحاته بشأن اللقاح. وبعد أن زعم المعهد الوطنى للصحة والأبحاث الطبية، الخميس، أن ما قاله «لوشت» منزوع من سياقه، ووصف ما تم تداوله فى مواقع التواصل الاجتماعى بأنه أخبار مفبركة، تراجع المعهد الجمعة، ونشر تغريدة قال فيها إن الباحث يقدم اعتذاره عما بدر منه، وإن ما كان يقصده هو أن تستفيد القارة والبشرية كلها من ثمار الأبحاث العلمية الجارية.

رسميًا، لم تحرك فرنسا ساكنًا، ولم تتفاعل مع الانتقادات الواسعة وردود الفعل العنيفة على شبكات التواصل الاجتماعى، كما لم تلتفت إلى توقيعات أكثر من ٣٠ ألف إفريقى، عربى ومن جنسيات مختلفة، على عريضة بموقع «تشينج»، أعلنوا فيها أن «الأفارقة ليسوا فئران ولا قردة تجارب فى مختبرات»، وانتقدوا السلوك غير الإنسانى الذى يظهره الغرب تجاه قارة إفريقيا، وطالبوا بمحاسبة الطبيبين وإبداء التقدير والاحترام للأفارقة.

المفارقة، أن الرئيس الفرنسى دعا، بعد ذلك وفى عز الكارثة التى يواجهها شعبه، إلى عقد مؤتمر للدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن، لبحث تأثير وباء كورونا وتأثيره على مناطق النزاع حول العالم، بحسب بيان أصدرته الرئاسة الفرنسية. والمفارقة الأكبر أن اتهام مسئولين حكوميين فرنسيين للولايات المتحدة بالاستيلاء على شحنة كمامات صينية كانت فى طريقها إلى باريس، لم تمنع ماكرون من أن يجرى اتصالًا تليفونيًا مع نظيره الأمريكى دونالد ترامب، ليحدثه عن ضرورة عقد ذلك الاجتماع فى أقرب وقت ممكن، لتعزيز التعاون فى مواجهة الوباء، وضمان السلام والأمن الدوليين، طبقًا للبيان الصادر عن البيت الأبيض!.

الكلام، كما ترى، يخاصم الواقع. ولا نعتقد أن الرئيس الأمريكى تعامل مع تلك الدعوة بجدية، كما لا نعتقد أن واحدًا من القادة والرؤساء الأفارقة العشرة، الذين تحدث معهم الرئيس الفرنسى، الجمعة، عبر التليفون، تعاملوا بجدية مع مبادرته المزعومة لمساعدة القارة السمراء صحيًا واقتصاديًا، على مواجهة الوباء، والتى لم تعلن الرئاسة الفرنسية تفاصيلها. كما لا نعتقد أنك قد تصدق ما قيل بشأن اتفاق وزراء خارجية الدول الـ٢٧ الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، خلال محادثات جرت عبر الفيديو، الخميس، على خطة لزيادة المساعدات إلى دول إفريقيا.

ليس معقولًا، إذن، أن تقتنع، كأى عاقل، بدور الطيب الذى يحاول الرئيس الفرنسى تمثيله. بالضبط، كما يصعب تصديق أن دول الاتحاد الأوروبى قد تساعد إفريقيا، أو غيرها، وهى التى تخلت عن بعضها البعض، وشكا منها طوب الأرض، تحديدًا فى إيطاليا وإسبانيا وصربيا.

وقاحة الطبيبين الفرنسيين نراها عادية، وتتسق مع ممارسات كثيرة سابقة. وعليه، لم نفاجأ حين وجدنا صامويل إيتو، نجم المنتخب الكاميرونى السابق، يقول للفرنسيين: «أنتم حثالة.. إفريقيا ليست ملعبكم». ونعتقد أنك لو ركزت قليلًا فى الصيغة التى اعتادت وسائل إعلام فرنسية، بريطانية، ألمانية، وأمريكية، أن تتناول بها قضايا أو أزمات داخلية تخص دولًا إفريقية وعربية عديدة، من بينها مصر، ستتفق معنا ومع «إيتو» على أنهم عنصريون، منحطون، وحثالة فعلًا.