رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المافيا تتشدّد.. والرئيس يتساهل!



سلوك عصابات الجريمة المنظمة خلال الكوارث يستحق الرصد. وغالبًا، ستكون لنا وقفات مع سلوك عصابات المافيا والتنظيمات الإرهابية، كالمافيا الإيطالية وجماعة الإخوان، والتشكيلات العصابية الشبيهة على اختلاف أسمائها، أنشطتها، والصفات التى يحملها المنتمون إليها: ساسة، رجال أعمال، أو رجال دين. وكلها تقريبًا، باستثناء المافيا البرازيلية، قللت من خطورة فيروس كورونا المستجد، وهاجمت التدابير الهادفة إلى مكافحة الوباء، وطالبت بعودة الحياة إلى طبيعتها!.
شائعة تبرع المافيا الإيطالية لدعم جهود بلادها فى التصدى للوباء، كما كتبنا أمس، لا يمكن تفسيرها، منطقيًا، إلا بوجود لجان إلكترونية تعمل لحسابها، أو متعاطفة معها. ورجّحنا أن تكون تلك اللجان قد استلهمت الشائعة، من خطوة أقدمت عليها عصابات المافيا فى البرازيل، التى رأت أن السلطات تراخت فى حماية السكان من خطر تفشى الوباء، بعد تزايد حالات الإصابة، فأعلنت أنها ستفرض سيطرتها على كل شوارع البرازيل، بالقوة، إذا لم تستطع الحكومة فعل ذلك. وبالفعل، قامت بعض العصابات بفرض حظر التجوال فى مدينة ريو دى جانيرو، يبدأ فى الثامنة مساءً، وتوعدت بتأديب كل من تراه فى الشارع بعد هذا الوقت. غير أن الرئيس البرازيلى كان أول من تحدّوا قرار المافيا، والإجراءات التى اتخذتها حكومته!.
العالم لا يزال يترقب بلوغ الوباء ذروته، حتى تبدأ معدلات الإصابة والوفاة فى التراجع، قياسًا على ما شهدته مدينة ووهان الصينية، بؤرة الوباء الأولى، التى تعيد فتح أبوابها بحذر. بينما قام جايير بولسونارو بنشر مقطعى فيديو يظهر فيهما وهو يخالط مؤيدين له فى برازيليا، ما يُعدّ خرقًا لإجراءات التباعد الاجتماعى التى اتخذتها حكومته للحد من انتشار الوباء. والطريف أن ذلك حدث بعد ساعات من تأكيد لويز هنريك مانديتا، وزير الصحة البرازيلى، أهمية العزل كوسيلة لمكافحة فيروس كورونا المستجد، الذى كان قد أصاب، وقتها، ٣٩٩٠ برازيليًا وتسبب فى وفاة ١١٤ آخرين، وفقًا للأرقام الرسمية.
المستقبل يبدو مجهولًا، بحسب منظمة الصحة العالمية، التى أعلنت عدم إمكانية تحديد المدة التى سيستغرقها هذا الوباء. لكن دراسة صادرة عن جامعة سيدنى الأسترالية، قالت إن التزام ٨٠٪ من المواطنين بإجراءات التباعد الاجتماعى قد يجعل الحياة فى أستراليا تعود إلى طبيعتها فى مدة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر. بينما قال خبراء إن بريطانيا فى حاجة إلى ستة أشهر، حتى تتأكد من قضائها على الوباء، وتتمكن من رفع القيود، تدريجيًا. واختلفت التقديرات فى الدول أخرى، بحسب التفاوت فى الإمكانات. ومع أن إمكانات البرازيل أقل، بكل تأكيد، من أستراليا وبريطانيا، ومن دول كثيرة غيرها إلا أن الرئيس البرازيلى قرر أن يتساهل، يستهبل، أو يجازف!.
محاطًا بالحشود، ظهر الرئيس البرازيلى، وهو يسير فى شوارع العاصمة برازيليا. وفى أحد مقطعى الفيديو المحذوفين، دار حوار عبثى بينه وبين بائع فى الشارع، بدأه الرئيس بقوله: «ما سمعته من الناس هو أنهم يريدون العمل»، ليرد البائع: «لا يمكننا أن نقف مكتوفى الأيدى، هناك خوف من أنك إذا لم تمت من المرض، ستموت من الجوع»، ليرد عليه الرئيس: لا.. لن تموت.
فى المقطع الثانى، دعا الرئيس البرازيلى «للعودة إلى الحياة الطبيعية»، مشككًا فى تدابير الحجر الصحى، وزاعمًا أن إجراءات العزل إذا استمرت على هذا النحو فإن بلاده ستواجه «مشكلة خطيرة جدًًا سيستغرق حلها سنوات». وأضاف: «لا يمكن للحياة أن تتوقف فى البرازيل وإلا سنصبح مثل فنزويلا». وزاد على ذلك فقال: «دعونا نواجه الفيروس بالواقع. إنها الحياة، وسنموت جميعًا يومًا ما». ولأنها رأت فيهما انتهاكًا لقواعدها، حذفت شبكة «تويتر» التغريدتين، أو مقطعى الفيديو، ووضعت مكانهما تنويهًا، أوضحت فيه أنها قامت بتوسيع قواعدها المتعلقة بإدارة المحتوى، لتشمل المعلومات الصحية التى تتعارض مع بيانات المصادر الرسمية، وقد تُعرّض الأشخاص لخطر عدوى فيروس «كوفيد-١٩».
شواطئ ريو دى جانيرو أصبحت مهجورة، وشوارع ساو باولو المزدحمة صارت فارغة. لكن مؤيدى الرئيس، فى ولايات أخرى، خرجوا فى مواكب سيارات وأطلقوا أبواقها، دعمًا للشركات التى ترفض الإغلاق وتريد أن تواصل أنشطتها. وبهذا الشكل، بدت عصابات المافيا، أكثر حرصًا على حياة المواطنين من الرئيس البرازيلى، الذى يصر، منذ بداية تفشى الفيروس، على التقليل من خطورته، ويصفه بأنه مجرد «إنفلونزا تافهة» يقتصر تهديدها على المسنين والمرضى. واللافت هو أنه خضع للفحص مرتين، بعد أن تأكدت إصابة ١٤ شخصًا رافقوه فى زيارة إلى الولايات المتحدة، أبرزهم مستشاره للأمن ورئيس مجلس الشيوخ ووزير التعدين والطاقة!.
سلوك المافيا البرازيلية، فى رأينا، مجرد استثناء يثبت القاعدة. قاعدة أن كل عصابات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية، على اختلاف أسمائها، أنشطتها، والصفات التى يحملها المنتمون إليها، قللت من خطورة الوباء وطالبت بعودة الحياة إلى طبيعتها. ولن نلومك، لو خطر على بالك أشخاص بعينهم!.