رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«سبّوبة الكورونا».. فرق تعقيم منزلى وهمية تنصب على المواطنين

فرق تعقيم منزلي وهمية
فرق تعقيم منزلي وهمية

كانت "آية محمود" 24 عامًا، ربة منزل، تتابع كغيرها أخبار انتشار فيروس كورونا عالميًا، حين دق باب المنزل، لتجد شاب وثلاث فتيات يخبرونها بأنهم فرقة تعقيم وتنظيف طبية، تمر على المنازل من أجل تعقيمها ضد الوباء المنتشر، فما كان منها سوى الترحيب بهم.

المقابل المادي الزهيد، الذي تتحصل عليه تلك الفرقة الطبية التي كانت ترتدي زي أطباء، دفع السيدة للموافقة على تعقيم المنزل في الحال، فأعطتها إحدى الفتيات عددا من الكمامات ودعتها لتجريب إحداها، وما إن لامست الكمامة وجهها حتى غابت "آية" عن الوعي.

حين استيقظت الفتاة في منزلها بمنطقة حلوان، لم تجد الفرقة الطبية، ولا أي تعقيم وتنظيف قاموا به، سوى أنهم سرقوا بعض المشغولات الذهبية الخاصة بها، والأموال الموجودة بالمنزل، وعلمت أن الكمامة كان بها مادة مخدرة غيّبتها عن الوعي حتى يتمكنوا من سرقة المنزل.

انتشر "كوفيد- 19" في آواخر العام 2019، من مدينة ووهان الصينية، وانتقل منها إلى 91 دولة حتى الآن، في قارتي آسيا وأوروبا التي أضحت بؤرة للوباء، ووصل إلى الشرق الأوسط ودول العالم الثالث من بينهم مصر التي سجلت 402 إصابة و20 وفاة و80 متعافيا من الفيرس.

وإيمانًا بمبدأ أن لكل أزمة سبوبة وسماسرة، فكان لانتشار كورونا سماسرة الذين وجدوا في انتشار الفيروس أرض خصبة بسبب الفزع الذي سببه عالميًا، من بينهم تلك فرق طبية ظهرت مؤخرًا.

تكشف "الدستور" عن ظهور فرق طبية، تجوب المنازل في محافظات مصر، وتعلن عن نفسها في كل مكان وتدعي بأنها تتبع وزارة الصحة، وتقوم بتعقيم المنازل ضد فيروس كورونا، إلا إنها فرق تنظيف وهمية تنصب على المواطنين وتسرقهم.

آية: "خدروني وسرقوا الشقة.. ومقدرناش نعمل محضر"

مبلغ قدره نحو ثلاثة آلاف جنيه، ومشغولات ذهبية تتخطى قيمتها 20 ألف جنيه، فقدتها "آية" على يد تلك الفرقة الطبية التي ادعت انتماءها إلى وزارة الصحة: "في البداية قالولي إنهم تبع وزارة االصحة وبينزلوا يعقموا البيوت مقابل 100 جنيه للشقة".

أضافت: "افتكرت أنه مبلغ رمزي حطته الحكومة مقابل تعقيم المنازل ضد كورونا، وبسبب أن المبلغ قليل قلت مش هخسر حاجة يعقموا البيت، ومسألتش عن أي إثبات أنهم تبع الصحة ولا لأ، وبمجرد ما البنت أدتني الكمامة ولبستها حسيت إني دوخت وأغمى عليا".

تابعت: "لما صحيت ملقتش حد منهم وسرقوا الشبكة والفلوس، ومكنش معايا أي رقم ليهم غير إنهم شاب وتلات بنات لابسين زي الأطباء ومعاهم معدات رش، قالوا إن هي كحول إيثيلي تركيزه 70%".

لم يستطع زوج "آية" تحرير محضر في قسم حلوان التابع له، لكون زوجته لم يكن لديها أي معلومات عن تلك الفرقة الطبية، سوى أنهم يعقمون المنازل ويدعون تبعيتهم لوزارة الصحة، حتى إن وجوههم لم تكن تعرفها فكانوا يختبئون تحت الماسكات الطبية.


كريم: "يدعون تبعيتهم لوزارة الصحة.. وسرقوا دهب وأموال من المنزل"

لم يختلف ذلك عما حدث مع "كريم الصاوي"، 36 عامًا، من سكان منطقة الصف بالجيزة، والذي فوجئ بعد نحو 20 يومًا من انتشار فيروس كورونا في مصر، بمجموعة شباب يسمون أنفسهم بأنهم فرق طبية تجوب الشوارع وتطرق المنازل من أجل تعقيمها بأمر من وزارة الصحة والسكان.

قال: "كانوا ثلاثة أفراد شاب وبنتين، وعرضوا نفسهم أنهم بيعقموا البيوت عشان فيروس كورونا، وأنهم تبع التأمين الصحي في الجيزة، وأن وزارة الصحة عملت إتفاق مع التأمينات الصحية في كل محافظة لنزول الفرق الطبية وتعقيم البيوت".

أَضاف: "صدقتهم بعد ما شوفت صور الجيش والحكومة وهما بيعقموا الشوارع زي صلاح سالم، وقلت هيعقموا البيوت كمان".

تابع: "واحد منهم كان معاه كارنية أنه دكتور في عيادة خاصة، وكان معاهم كراريس فيها أسماء دكاترة وعيادات التأمين الصحي بيعملوا خصم 70% و20% وخدت واحدة منهم، عشان يوهموك إنهم تبع الصحة فعلًا، وقايمة بعناوين البيوت اللي عقموها".

يروي "كريم" أنهم بالفعل دخلوا شقته وقاموا برش ما يشبه المياه ووصفها بأنها مياه مخلوطة بالكلور من أجل التطهير، ولم تمر سوى نصف ساعة فقط حتى عقموا جميع الحجرات، وانصرفوا بعدما حصلوا منه على 1000 جنيه نظير التعقيم.

أوضح أنه عقب انصرافهم اكتشف سرقة في منزله بعدما دخلوا إلى الحجرة الأساسية لتعقيمها، مضيفًا: "سرقوا حوالي 6 آلاف جنيه كانت في البيت، وخاتما ذهبيا بتاع أمي، وحاولت أعمل محضر لكن للأسف معرفتش أوصف حد منهم لأنهم كانوا لابسين ماسكات طبية على وشهم".


ميار: "قالوا إنهم تبع الحكومة ونصبوا عليا فى 900 جنيه"

ما حدث مع "ميار سامر"، 27 عامًا، في منطقة الزهراء، كان أهون من الحكايات السابقة، والتي تعرضت لعملية نصب على يد تلك الفرق الطبية، تقول الفتاة: "الفرقة كانت عبارة عن تلات بنات بس لابسين زي تعقيم ومعاهم أجهزة تعقيم، وقالوا إنهم تبع وزارة الصحة، وحاليًا بيعقموا الشوارع والبيوت ضد كورونا".

أضافت: "وقالوا إنهم تبع وزارة الصحة وإن الحكومة عملت كدة عشان تحمي البيوت والسكان، وبيأخدوا مبلغ بسيط 100 جنيه على كل شقة، ووالدتي قالت إنها فرصة كويسة عشان نعقم البيت ضد الفيرس".

تابعت: "وفعلًا دخلتهم وقاموا بالتعقيم للشقة كلها، وكل شوية دكتورة منهم تقولي ده كحول إيثلي 70% هنرش منه، وده كلور على ميه هنحط منه على الأسطح، وأنا كنت بوافق على أساس إن كل ده حاجة واحدة وسعر واحد".

عقب انتهاء الفرقة الطبية من تعقيم الشقة بالكامل طالبوا "ميار" بدفع 1500 جنيه، نظير اختيارها مطهرات الكلور والكحول: "لما سألتهم أنهم قالوا بـ100 جنيه بس وأنهم تبع الحكومة والأسعار بسيطة، قالوا إن الكحول والمطهر مش داخلين في تعقيم الحكومة وإن ده عرض من الشركة وإنتي وافقتي عليه وطلبتيه".

استطردت: "لما رفضت هددوني بأنهم هيبلغوا التأمين الصحي عليا أنا وأمي وإننا مش راضيين ندفع، فلما خوفت دفعت 9000 جنيه بس لأن باقي المبلغ مكنش متوافر معايا، بعد كدة عرفت أنهم لفوا على الجيران وفيه منهم أضحك عليهم وخدوا فلوس منهم وناس مصدقتش كدبهم ومدفعتش ليهم حاجة".


الصحة والطب الوقائي ينفيان انتماء تلك الفرق لهم

وبسبب انتشار تلك الفرق الوهمية ونصبها على المواطنين، وادعائها أنها تتبع الصحة، أعلن الطب الوقائي التابع للوزارة، إن الصحة لا توجه أي فرق وقائية للمنازل لتعقيمها، إلا للأماكن التى ظهر فيها مصاب فيروس كورونا المستجد.

وأكد الطب الوقائي أن أي فرق تمر الآن على المنازل، رغبة منها في تعقيم المنازل، بحجة فيروس كورونا وانتشاره، هي فرق مزيفة، وليس لهم علاقة بها، ولا تحصل وزارة الصحة على أموال من المواطنين بشأن تعقيم المنازل.

أما النائب محمد هاني الحناوي، عضو مجلس النواب، فقدم طلب إحاطة بشأن انتشار فرق طبية مزيفة لتعقيم المنازل، مبينًا أن هناك من استغلوا ذلك الأمر وقاموا باحتراف مهنة تنظيف البيوت وتعقيمها بانتحال صفة وزارة الصحة.

وطالب النائب محمد هانى الحناوى الحكومة باتخاذ جميع الإجراءات القانونية حيال من يقومون بهذا العمل والإسراع في محاكمتهم، خاصة أن البعض يستغلون الأزمات في تحصيل مبالغ بشكل وهمي بادعاء تنظيف البيوت وتطهيرها وتعقيمها بسبب وجود وباء كورونا بادعاء أنهم ضمن فرق وزارة الصحة والسكان الوقائية.


"الدستور" تتواصل مع فرق تعقيم المنازل: "معانا تصاريح من وزارة الصحة"

تعلن تلك الفرق الطبية عن نفسها في كل مكان على الإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بأنها تنظف وتعقم البيوت بتصاريح خاصة من وزارة الصحة والبعض الآخر يدعي إنتماؤه للتأمين الصحي، ومكلف منها بطرق البيوت وتعقيمها.

قمنا بإثبات ذلك من خلال ثلاث شركات في مناطق مختلفة، تواصلنا معهم بعد اختلاق معدة التحقيق قصة أنها ربة منزله في منطقة المعادي ضد فيروس كورونا وتريد تعقيم شقتها البالغة 110 أمتار.

حملت الشركات أسماء مبهمة، كان من بينها "الشركة المصرية لتعقيم المنازل" والتي أعلنت عن نفسها بأن لديها مقرا في منطقة التجمع الخامس، وتقوم بتعقيم البيوت فقط وليس الشركات بعلم وتصريح من وزارة الصحة المصرية.

في اتصال هاتفي مسجل، أكد مسئول الشركة أنهم يقومون بتعقيم الشقة بمقابل 800 جنيهًا، مضيفًا: "بنستخدم كحول ايثيلي 70% وبيتم التعقيم من خلال طريقة التبخير بالرذاذ عشان الأثاث بتاع الشقة ميجرالوش حاجة".

أضاف: "بيتم تعيقم الأسطح كلها والأركان ومساحة الشقة بالكامل، باستخدام الكحول وفيه نوعين منه، نوع ريحته نفاذة وقوية وده لازم تسيبي المكان لمدة 8 ساعات بسبب قوة الريحة، فلا بد من ترك جميع أفراد الأسرة للمنزل، ونوع تاني ممكن يتواجد أفراد الأسرة في المنزل بعد ساعة واحدة وأثناء الرش".

وبسؤاله عن مدي تابعية الفرقة الطبية التي تجوب المنازل للصحة، أكد أنهم يحملون تصريحا من الصحة وترخيصا بطرق المنازل من أجل تعقيمها ضد الكورونا، وحين طالبته "معدة التحقيق" بإرسال تلك الشهادات على تطبيق "الواتساب" وعدها بذلك، إلا إنه لم يفعل حتى الآن رغم الرسائل المتعددة على ذات الرقم.

ومن خلال فرقة أخرى تدعى أنها "فرقة طبية لتعقيم المنازل ضد كورونا"، وجدنا أن السعر اختلف وأصبح 1200 جنيه، وقال المسئول بها: "بنجيب كل مواد التعقيم والمطهرات، زي تركيبات الكلور والديتوال المطهر، وتركيبات تانية إحنا اللي صنعناها عشان فيروس كورونا خصيصًا".

أضاف: "بيتم رش الشقة بالكامل، في الأسطح والمكاتب والحوائط والأركان، ونص ساعة والريحة بتروح، لكن مفعول التعقيم بيستمر لمدة من 5- 4 أيام،عشان انتشار الفيروس الحالي، بنستخدم الكحول والكلور وخلطات التانية".

أما عن تبعيته لوزارة الصحة والسكان المصرية، أكد أنهم يتبعون شركة كيماويات، وبالاستفسار عن اسمها قال: "هي اسمها كده شركة كيمياويات في 6 أكتوبر"، دون ذكر اسم محدد لها، مبينًا أنها لديها تصريح من وزارة الصحة بتعقيم المنازل، وترخيص بكل المواد الطبية المستخدمة مصرح بها ولا يوجد أي ضرر بها، إلى جانب تصريح بتعقيم البيوت بأمر من الصحة.

لم يختلف نظام الفرقة الطبية الثالثة التي كان مكان تواجدها في منطقة المعادي، والتي تقوم بالتعقيم مقابل 500 جنيهًا فقط، باستخدام الكحول الإيثلي 70%، ورش جميع الأسطح والواجهات في المنزل.

وأوضح أنهم يقومون بخدمة "اللف على المنازل" من أجل تعقيمها بأوامر من التأمينات الصحية لمنع انتشار فيروس كورونا، مبينًا أنهم قاموا بالفعل بتعقيم عدد كبير من المنازل في مناطق الجيزة والمعادي، وحين طلبت منه إرسال التراخيص والتصاريح التي حصلت عليها الفرقة الطبية من وزارة الصحة والتأمينات الصحية، وعد بذلك عبر تطبيق الواتساب، إلا إنه لم يرسل شيء حتى كتابة تلك السطور.

تحكم المادة 336 من قانون العقوبات المصري جريمة النصب، وهي الجريمة التي تقع من المتهم علي المجني عليه بقصد خداعه والاستيلاء علي ماله فيقع المجني عليه ضحية الاحتيال الذي يتوافر باستعمال طرق احتيالية، وتعد بمثابة «جنحة»، في القانون المصري يعاقب عليها القانون، وتبدأ عقوبتها من شهر وحتى 3 سنوات حسب تقدير قاضي ولا تتعدى العقوبة ذلك مهما كانت قيمة الأموال المنهوبة.