رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شائعات مضللة.. وأخرى قاتلة


يُقال إن انتشار فيروس كورونا المستجد يصل إلى ذروته، عادة، خلال الأسبوع السادس أو السابع من بداية ظهوره. واليوم، الأحد، تدخل مصر الأسبوع السابع، دون أن نرى انخفاضًا فى مستوى انتشار الشائعات، التى بلغت ذروتها مع بدء ظهور الفيروس، فى مصر، أو قبل ذلك!.

الشائعات قد تكون أشد فتكًا من الوباء، وقد تقتل أيضًا. بل إنها قتلت بالفعل مئات الإيرانيين، صدقوا شائعة أن شرب الكحول يمكن أن يحميهم من الإصابة بفيروس كورونا المستجد أو يعالج المصابين به. وكنا قد أشرنا فى مقال «الوقاية أخطر من الوباء.. أحيانًا» إلى الكحول الإيثيلى، الذى يتم استخدامه، بتركيز ٧٠٪، لتطهير الجروح ومنع انتقال العدوى، ويدخل فى صناعة المشروبات الكحولية. وأوضحنا أنه يختلف عن الكحول الميثيلى القاتل، الذى يسبب التسمم أو العمى. والأخير، هو الذى شربه مئات الإيرانيين، رحمهم الله!.

سيل المعلومات الخاطئة، والمضللة، المنتشرة عن فيروس كورونا المستجد، تضمن العديد من الوصفات أو العلاجات المزيفة، بعضها يسبب أضرارًا بالغة أو قاتلة. كما دفع تناول وسائل الإعلام، التقليدية أو البديلة، الخاطئ لأبحاث علمية نظرية كثيرًا من المصابين بأمراض معينة إلى مجازفات، غير ضرورية، قد تودى بهم إلى التهلكة.

هناك، مثلًا، مَن نصحوا بشرب جزيئات الفضة السائلة، المعروفة باسم «الفضة الغروية». ومع أن المعاهد الصحية الوطنية الأمريكية سبق أن أكدت أن تلك المادة تقلل من امتصاص الجسم للمضادات الحيوية وبعض الأدوية الأخرى، إلا أن ذلك لم يمنع تزايد استهلاكها، فى أستراليا، بعد ظهور فيروس كورونا، للدرجة التى جعلت الحصول عليها، هناك، أصعب من الحصول على المخدرات. وعلى ذكر المخدرات، فإن الكوكايين، كان أيضًا بين الوصفات. ومع انتشار هذه الشائعة وتزايد الإقبال على هذا المخدر، فى فرنسا، اضطرت الحكومة الفرنسية إلى الرد على تلك الادعاءات فى حسابها على «تويتر»: «لا، الكوكايين لا يحمى من كوفيد ١٩».

بين يؤكد ويرجّح فارق كبير جدًا، وواضح جدًا، ومن رابع المستحيلات أن يجهله أى مواطن عادى، يتمتع بنصف قواه العقلية. ومع ذلك زعم لقيط، يعمل فى وكالة «ناسا»، أن هناك بحثًا علميًا منشورًا يؤكد أن عدد الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد فى مصر أكثر من المعلن بكثير. زاعمًا أن «البحث منشور فى أرقى المجلات العلمية». وبالضغط على الرابط الذى وضعه ذلك اللقيط مع التغريدة، اتضح أنه لم يتضمن غير ترجيحات، تخمينات، أو افتراضات، سبق أن نشرها أحد المشاركين فى البحث، على تويتر، بعد أن رفضت مجلات علمية نشرها، باعترافه. ومع أن تلك الترجيحات، التخمينات أو الافتراضات ليست سندًا علميًا، أو منطقيًا، إلا أنها وجدت طريقها إلى مجلة «لانسيت»، التى وصفها لقيط أو عبيط «ناسا» بأنها أرقى المجلات العلمية!.

مجلة «لانسيت»، هى نفسها التى نشرت دراسة لباحث فى جامعة فيينا الطبية، يزعم أو يفترض أن فيروس كورونا المستجد، قد ينشط وتزيد خطورته عند تناول بعض الأدوية المضادة للالتهاب، مثل الإيبوبروفين. غير أن الجامعة، جامعة فيينا الطبية، نفت علاقتها لهذا البحث وأعلنت عدم مسئوليتها عما تضمنه من توصيات. ولا يزال هناك إجماع بين الخبراء، بحسب موقع «ميركور» الألمانى، على ضرورة أن يستمر المرضى فى تناول الأدوية التى تحتوى على الإيبوبروفين، وألا يدفعهم الذعر من الوباء إلى التوقف عن تناول أدويتهم.

تناول شبكات التواصل الاجتماعى، وبعض وسائل الإعلام، لأبحاث نظرية نشرتها مجلات علمية، قد يؤدى إلى كوارث. وغير المثال السابق، هناك مثال آخر يتعلق ببعض أنواع أدوية القلب، قيل أيضًا إنها يمكن أن تسهم فى زيادة حدة الإصابة بفيروس كورونا المستجد. لكن هذه المرة، قامت السلطات الصحية فى دول عديدة بتحذير مرضى القلب من أنهم سيواجهون خطرًا أكبر من إصابتهم بالعدوى، لو توقفوا عن تناول أدويتهم. وبشكل أكثر وضوحًا، قال البروفيسور جارى جينينجز، كبير المستشارين الطبيين لمؤسسة القلب الأسترالية، إن ما استندت إليه الدراسة النظرية لا يزال «محل جدل». وأضاف: «فى غياب أى دليل على صحة تلك المزاعم، فإن التوقف عن تناول تلك الأدوية المفيدة ليس فكرة جيدة». ثم حذّر المرضى من أن توقفهم عن تناول أدويتهم، قد يعرضهم إلى نوبات قلبية، ربما تقودهم إلى الموت.

التحية، إذن، واجبة، للمستشار حمادة الصاوى، النائب العام، الذى ناشد «المجتمع بأسره توخى الدقة فى المتداول من أخبار وبيانات، وتَبَيُّن صحتها من مصادرها الرسمية، وعدم الانسياق وراء الشائعات والأخبار والبيانات الكاذبة أو نشرها وإعادة تداولها». خاصة، بعد تأكيده، فى البيان الصادر أمس السبت، أن النيابة العامة ستتصدى بكل حزم لمن يروجون شائعات ومعلومات غير دقيقة حول فيروس كورونا المستجد، وستعاقبهم بالحبس أو الغرامة.