رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حوادث الطرق أيضًا وباء



الأرواح التى حصدها فيروس كورنا المستجد، فى مصر، خلال أسابيع، حصدتها سيارة نقل، «تريلّا»، فى أقل من دقيقة. وتقول الأرقام إن العالم يشهد، سنويًا، وفاة أكثر من مليون و٣٥٠ ألف شخص، وإصابة من ٢٠ إلى ٥٠ مليونًا، بسبب حوادث الطرق.
ما حدث، هو أن سيارة النقل أو «تريلا» دهست، فى الساعات الأولى من صباح أمس الخميس، ٤ سيارات ميكروباص، ٧ ملاكى، و٣ ربع نقل، كانت متوقفة فى كمين لحظر التجوال على الطريق الدائرى الإقليمى، ما أسفر عن مصرع ١٨ وإصابة ١٢ أو١٥ آخرين، هم بعض نصيبنا، نصيب مصر، السنوى، من ضحايا هذا الوباء القديم، أو تلك الحوادث المستمرة، التى لا تقل عن ٤ آلاف وفاة، و١٤ ألف مصاب.
دراسة حول «التكلفة الاقتصادية لحوادث الطرق فى مصر عام ٢٠١٧»، أصدرها الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، منتصف العام الماضى، قدرت الحد الأدنى لتلك التكلفة، سنة ٢٠١٧، بنحو ٢٩ مليار جنيه، بالضبط ٢٨.٩ مليار جنيه، وذكرت أن إجمالى عدد السيارات التالفة الناتجة عن تلك الحوادث يزيد على ١٧ ألف سيارة. أما أعداد الوفيات والمصابين فزادت على ٣ آلاف و٧٠٠ حالة وفاة و١٤ ألف حالة إصابة.
حوادث الطرق، لها ثلاثة أسباب رئيسية، غير الفرعيات والتفريعات. وهناك دراسات علمية عديدة أرجعت ٨٠٪ منها إلى سلوكيات قائدى السيارات، و١٢٪ منها إلى عيوب بالسيارة، و١٪ إلى ٢٪ عوامل جوية، و٥٪ عيوبًا هندسية لشبكة الطرق. بينما ذكرت دراسة الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، أن العنصر البشرى (أو قائد السيارة) كان مسئولًا عن حوالى ٨٠٪ من الحوادث، سنة ٢٠١٧، وزادت فيها نسبة الحالة الفنية للسيارة إلى ١٤٪، ولم تتجاوز نسبة حالة الطرق ٢٪. لكن ما قد يجعلك تشك فى كل النسب وفى الدراسة كلها، زعمها أن السيارات الملاكى مسئولة عن ٤٧.٢٪ من الحوادث، وأن سيارات النقل تسببت فقط فى ١٧.١٪، منها.
هذا الكلام قد لا يصدقه عقل، لأنه يتعارض، أولًا، مع الدعاء الشائع: «يا رب النقل يموت». كما يتعارض، ثانيًا، مع مخالفة تلك السيارات القانون الذى يلزمها بالسير فى ساعات الليل المتأخرة حتى الساعات الأولى من الصباح. ونعتقد أنك تراها، كما نراها، على الطرق العامة والسريعة، وهى تسير جنبًا إلى جنب مع «التكاتك»، جمع «توك توك»، التى يحلو السير، فى كثير من الأحيان، عكس الاتجاه!.
التشكيك فى النسب لا ينفى أن الجميع، جميع السائقين، يتشاركون فى سلوكيات سلبية منها الرعونة والاستهتار واللامبالاة، مع بعض العادات السلبية، كالتحدث فى التليفون المحمول، أو القيادة تحت تأثير المخدرات. وكنا سمعنا عن قيام الجهات المعنية بإجراء تحاليل للكشف عن تناول المواد المخدرة لسائقى سيارات النقل، مع وعد بأن يشمل التحليل سائقى سيارات الأجرة والملاكى فيما بعد. ولا أعرف لماذا لم تستمر تلك التحاليل؟. أما الأسباب التى تعود إلى الحالة الفنية للسيارة فمنها انفجار الإطارات، عدم كفاءة الفرامل، و... و.... وكلها ترجع إلى عدم إجراء الصيانة الدورية أو الكشف على السيارة من وقت لآخر، استرخاصًا من صاحبها أو بسبب غياب الرقابة. وخدعوك فقالوا إن إصلاح الطرق قد يقلل من وقوع الكوارث أو الحوادث، بينما يقول الواقع إن حدوث ذلك وتجاهل الأسباب الأخرى قد يؤدى إلى كوارث أكثر وليس العكس!.
كان الدكتور سعد الجيوشى، وزير النقل الأسبق، يحكى لزميلنا جمال عنايت، فى ٢ نوفمبر ٢٠١٤ عن جولته فى أوروبا وأمريكا، للتعاقد على أنظمة صيانة وتحسين مستوى الطرق، وقال له الجملة التى جعلته ضيفًا على مائدة السخرية والتهكم لأسابيع وشهور. قال الجيوشى: «لو أصلحنا الطرق ستزداد الحوادث». ولما سأله «جمال» مندهشًا: «يعنى لما تصلحوا الطرق الحوادث حاتزيد؟!»، أجاب رئيس هيئة الطريق والكبارى، وقتها: أيوه.. حاتزيد.. لازم يا أفندم، أمال إيه؟! لأن الطرق حاتبقى أحسن وحاتبقى أنعم وحاتبقى أكثر جودة فى سطح الركوب. فالسرعة حاتزيد، و«العشوائية» هىّ هىّ، فالحوادث حاتزيد. ده نمرة واحد.. نمرة اتنين، يا أفندم، وده السؤال المهم: هو إحنا عايزين نوقّف الحوادث؟! ولاّ إحنا بـ«نهجّص» كلنا فى الكلام، وفيه «حد» له مصلحة.. ومصلحته دى، أهم من الحوادث؟! أنا أؤكد لحضرتك، إن فيه بعض المصالح بتتكسب من عدم وجود نظام.
الحل نراه بسيطًا، لكن تطبيقه ليس كذلك: تخصيص طرق لسيارات النقل الثقيل أو على الأقل فصلها عن بقية السيارات، وتشديد الرقابة على الطرق، إجراء تحاليل دورية، ومفاجئة، للسائقين، ضمانًا لعدم قيادتهم تحت تأثير المخدرات، والتأكد من اشتراطات أمن ومتانة السيارات وصلاحيتها الفنية. والأهم من ذلك كله هو قطع رقبة ذلك «الحد» الذى يكتسب من عدم وجود نظام ويتسبب فى استمرار الحوادث.