رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الغابة.. مصطفى محمود يحكى عن الجيكويو

مصطفى محمود
مصطفى محمود

للسياسى غرفة واحدة بينما للمفكر براح العالم، لذا كان الدكتور مصطفى محمود يبحث عما هو خارج المدينة، ينطلق بأجنحته ويحلق فيما وراء البنايات العالية، والعقول الصلبة الصلدة، باحثا عن أناس آخرين، ليس لهم نفس أفكار أهل المدن، لا تزال عقولهم وقلوبهم غضة طرية، لم تزحمها المصالح، والتعقيدات الحياتية.

لذا اتجه نحو الجنوب إلى تنزانيا وكينيا والكونغو والسودان وجنوب السودان، ليس فى مدن هذه البلدان، بل فى غاباتها،
ليشرح لنا فى كتابة الغابة حياة بعض هذه القبائل، وكيف كانت تعيش دون قيود أو ملل، ولنتجول معه فى تلك الغابات الاستوائية، ونلتقى قبائل الماو ماو فى كينيا التى ترجع إلى قبائل الجيكويو.

ويشرح لنا الدكتور مصطفى محمود فى كتابه الغابة من هم الجيكويو وما هى عاداتهم وأفكارهم، فيخبرنا أن الجيكويو كما يزعم أهل هذه القبيلة، اسم كبيرهم وله قصة تشبه قصة سيدنا آدم عليه السلام، حيث يقولون إن الله خلق جيكويو على هضبة كير نياجا، بين الخضرة وأشجار الزيتون المثمرة وعناقيد العنب التي تتدلى على الأرض كى يقطفها جيكويو، ثم بعث له الله تلك الحورية موميى فتروجها وأنجب منها تسع بنات، ولم ينجب ولدا فحزن جيكويو ثم دعا ربه (موجابى)، أن يرزقه الذكور فاستجاب له ربه، وأمره أن يذبح شاة تحت شجرة التين المقدسة، ففعل جيكويو فأمره موجابى أن ينصرف عن الشجرة ثم يعود إليها بعد قليل ليجد أمنيته قد تحققت.

ولما عاد جيكويو وجد تسعة من الشبان فى انتظاره فزوجهم بناته التسعة فتكونت قبيلة الجيكويو، وقبيلة الجيكويو تؤمن بأن الله واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد لكنها لاتعرف الديانات.

تعيش فى الغابة لكن فى دعة وسكينة وطمأنينة، فالأرض لمن يزرعها، لا تعترف بالملكية، يعتمدون على الرعي والزراعة، لهم عاداتهم الخاصة بهم حيث ختان الإناث والذكور لمن يبلغون الثانية عشرة، والجميع فى توقيت واحد، وتدوم الاحتفالات لأيام طوال وكانه عرس طويل، والزواج عندهم أيضا له طقوسه الخاصة، فإذا مال شاب إلى فتاة لا يذهب بنفسه بل يبعث أصدقاءه إلى كوخ أهل العروس، فيقولون لها إن فلان مشردا فهل تقبيلنه فى كوخك.

فإن قبلته تتدلل حتى يعودون مرة أخرى فلا تجيب بنعم أو لا، وإن رفضت تقول لا أقبل به فى كوخى، وفى حالة الموافقة يبعث العريس بأبيه وأمه وأصدقائه، ومعهم هدية من البيرة تشرب منها العروس تعبيرا عن الرضا، ثم يذبحون شاة ويرقصون ويغنون ويجتمعون فى بناء الكوخ، وفى شكل مسرحى تتسلل صديقات العروس إلى كوخ العروس ويقبضن عليها حتى يصلن بها إلى كوخ العريس.. وهى تتظاهر بالبكاء لن أترك كوخ أمى.

وبعد عام من الزواج تطلب الزوجة من زوجها أن يجد لها من يعينها فتأمره أن يتزوج بأخرى وأخرى، حتى أن الرجل يتزوج أكثر من خمسين امرأة، التعامل بين القبيلة يكون بالغنم وليس بالنقود، والسحر يشتهر بين أبناء القبيلة منه ما يستغل فى التصالح والحب ومنه مايسمونه بالسحر الاسود (أوروجى).

فند لنا الدكتور مصطفى محمود حياة الجيكويو وقبائل النيام نيام فى جنوب السودان وقبائل الشيلوكوالدنكا والنوير والبارى والانجو والبونجووالدوبى، ليحكى لنا حياة أهل الغابة.

والخلاصة

لم تكن رحلة الدكتور مصطفى محمود وبحثه فى عوالم هذه الغابات، هى من باب الفراغ بل من أجل الوصول إلى فكرة العقل الهادئ الهانئ الذى لا يحمل ما يثقلة فى حياة المدينة، لذا رأى الدكتور مصطفى محمود أن الاحتلال الأوروبي الذى أرسل إلى الغابات حياة المدينة، اغتال البراءة والبساطة والصدق فى قلوب أهل الغابة فأخرجهم من براح العالم إلى بيت ضيق.