في الذكرى الثامنة لرحيله.. البابا شنودة أنشودة الحب العظيم
«لست الأن أنا موجود معكم إنما أنتم في قلبي باستمرار لقد عشت زماني كله في قلوبكم ومازلت أعيش أخذتكم في قلبي وفي فكري أنتم وآلامكم ومشاكلكم أعرضها على الله.. من أجلكم أنا هنا ومن أجلكم أذهب إلي هناك».. هكذا قال البطريرك رقم 117 الراحل، البابا شنودة الثالث، وكأنه كان يشعر بطاقة الحب التي لا زالت تحيا بداخل قلوب أحبائه.
فمنذ رحيل البابا شنودة في 17 مارس عام 2012 حتى اليوم، 8 أعوام يعيش الجميع على ذكراه الخالدة، شاعرين أنه يذكرهم بالحب مثلما يذكروه ويدعوا لهم أمام عرش الله في السماء.
وتزامنًا مع الذكرى الثامنة لرحيل البابا شنودة، ترصد «الدستور» أبرز الكلمات عن رجل من عظماء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في تاريخ البطاركة.
- البابا شنودة شخصية أسطورية استثنائية في تاريخ الكنيسة.
قال القس بولس حليم المتحدث الإعلامي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مرت 8 أعوام على رحيل البابا شنودة الثالث، إنه حقًا أمة برجل وهو رجل بأمة، رجل يندر أن يجود الزمان بمثله، إنه العظيم في البطاركة تلك الشخصية الأسطورية والاستثنائية بتاريخ الكنيسة، إنه المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث.
وأضاف «حليم» في تصريحات لـ«الدستور»: «أن اعتبرنا أن الكنيسة القبطية بها عظماء ثلاثة يكون هو ثالثهم مع أثناسيوس الرسولى والبابا كيرلس السادس، لقد سطر بحياته فصلًا من فصول تاريخ الكنيسة القبطية، وصار علامة فارقة فى تاريخ الكنيسة لن تُنسى فقد نقل الكنيسة القبطية من المحلية إلى العالمية وكتب بأعماله وإيمانه عهدًا جديدًا للكنيسة القبطية، وبصمته فى تاريخ مصر والكنيسة سوف تظل محفورة لزمن ممتد».
- استطاع إدارة الأزمات والفتن الطائفية بحكمة
أما على المستوى الوطنى، أشار «حليم» إلى أن البابا شنودة وطني حتى النخاع تعيش مصر فيه بكل جوارحه ووجدانه، وكان يحمل بين جوانحه وطنًا، فقد كان يمثل الشخصية المصرية في أكثر حالاتها نقاء وصفاء، كان يعشق مصر حتى آخِر لحظة فى حياته، وله مواقف وطنية سُطّرت له فى كتب التاريخ بحروف من نور وكان حكيمًا في مواقفه الصلبة المصرية مما جعله صمام أمان الوحدة الوطنية، واستطاع إدارة الأزمات والفتن الطائفية بحكمة وعلا بمصلحة الوطن فوق كل اعتبار لأنه كان يملك حلًّا لكل المواضيع بالوداعة والصبر والحكمة، حتى قال عنه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة: «حرص على وحدة الشعب المصرى الشقيق»، وقال عنه عمرو موسى إنه أحد حراس الوحدة الوطنية والنسيج المصرى، وقال عنه الدكتور رفعت السعيد: «حمل علم الوطنية المصرية».
وأضاف القس بولس، ليس هذا فحسب بل كان أيضًا زعيمًا وطنيًّا انحاز إلى مصر وقضاياها الوطنية وكان يوجه الأمور نحو المسار الصحيح حتى فى أحلك الظروف.
وقاوم أي استقواء بالخارج ورفض المزايدة ووقف بصلابة أمام التدخل الأجنبي فى شئون البلاد الداخلية، لذلك كان الأقرب إلى وجدان المصريين ونجح في كسب احترام الجميع ورضاهم مسلمين وأقباطًا، لذلك قيل عنه إنه مبعوث للعناية الإلهية فى فترة تاريخية مرت بها مصر.
واستطرد أن هذا كان على الصعيد المصرى إلا أنه أيضًا له مواقفه المشهودة على الصعيد العربى ضد الانتهاكات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية، وقال عنه فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر: «يذكر الأزهر بكل الإجلال موقفه الرائع فى قضية القدس وصلابته فى الدفاع عنه»، مضيفًا: «طغت عروبته على مواقفه الوطنية» وقد قال عنه الشيخ حسن علي جوجو رئيس القضاء الشرعي الفلسطيني: «مواقفه المساندة للقضية الفلسطينية سببًا في انزعاج السلطات الإسرائيلية»، فاستحق لقب بابا العرب مثل ما قال مفتى لبنان.
وأضاف المتحدث الإعلامي للكنيسة: «كان البابا شنودة رجل الكنيسة الوطنى العربى، كرّس حياته من أجل التسامح والتعايش» مثلما قال الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البحرين، وكان سفيرًا لمصر، لذلك قالت عنه الشيخة فريحة الأحمد بالكويت: «دائمًا يوصيني خيرًا بالجالية المصرية».
- أكثر الناس عطفًا على الفقراء
وعلى المستوى الإنساني، أوضح القس بولس حليم، أن البابا شنودة كان أبًا عطوفًا، بل أكثر الناس عطفًا على الفقراء والضعفاء وكان يهتم بكل أحد ليخلصه وبلسمًا يطيب الجروح الغائرة يشتمون به رائحة الآباء من أعمدة الرهبنة الناسك الزاهد والمعلم الحاذق أبًا ومعلمًا ومرشدًا ومثالًا طاهرًا لم يتوقف عن التعليم أبدًا جاهد لأجل الوحدة المسيحية وكل إنسان يقترب منه كان يحبه كان يمتلك قلبًا متسعًا يحتمل الجميع.
أما عن صفاته الشخصية فقال «حليم»: «هو مجمع مواهب شخصية شاعر موهوب وفنانا رقيقًا وإنسانًا ملائكيًا خفة ظل مصرية عريقة دائم الابتسام صاحب فكاهة راقية، أفكاره ضياء، أفعاله هيبة أقواله نورانية الحروف، لم تضحك عليه جموع تنتظر إشارة منه لتنفذ ما يقوله، كان ملهما لغيره رجل المواقف الصعبة، عقلية فذه أمتلكت القدرة على استشراف المستقبل فى زمن قياسى، رجل دولة مثل أحمد عرابى وسعد زغلول وجمال حمدان ونجيب محفوظ».
- قامة عملاقة صاحب مكانة عالمية مرموقة
أما على الصعيد الدولى، قال المتحدث الإعلامي باسم الكنيسة الأرثوذكسية، إن البابا شنودة كان قامة عملاقة وصاحب مكانة عالمية مرموقة تجاوز بشخصيته حدود المحلية إلى أن صار شخصية ذات تقدير دولي، شخصية حظيت باحترام المجتمع الدولى والشخصيات العالمية ترك فى الدنيا دويًا، حتى قال عنه المكتب الإعلامى للفاتيكان إنه «فقيد الأمة والعالم» إنه نفسية قوية بالله لا تهتز وقد أعطاه الإيمان والثقة بالله والنفس عزيمة المقاتلين فتحمل ما لا يتحمله بشر وقد حمل أثقالا تنوء بها الجبال فى صمت، وكان لا يكل ولا يمل بل يعمل ليلًا ونهارًا، نعته جميع الفصائل المتنافرة.
- توهج الوجدان المصري في رحيل البابا شنودة
أما عن يوم نياحته فقال "حليم" هتف الشعب القبطي: «أرفع رأسك فوق البابا في السماء» وليس الشعب القبطى فقط بل توهج الوجدان المصري في لحظات الحزن النبيل، مضيفًا أنه أول رجل دين مسيحى يوم جنازته تنكس فيه أعلام مصر حتى صارت القرية التي ولد فيها البابا بأسرها سرادق للتعزية، ربما يتمنى رؤساء جمهوريات أن يموتوا كما مات البابا! العملاق الذى بكت عليه كل أرجاء المسكونة، لقد رحل الحكيم، وبقيت الحكمة، خسرته الأرض وربحته السماء. وسيظل بقيمه النبيلة حيًا فى قلوب المصريين جميعًا.
وختامًا قال "حليم": «استعير عبارة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة يوم صلاة الجناز قائلًا بصوت جهوري إن الكلمات لا تعبر عن هذا المحبوب، ولسان حال الكل يقول له أنت يا أبى أسطورة أنت أعجوبة أنت أنشودة».