رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سقطة «الجارديان» الجديدة



سقطة روث ميشيلسون وأدهم يوسف سبقتها سقطات كثيرة، جعلت صفحات جريدة «الجارديان» أقرب إلى مقلب الفبركات أو النفايات. كان أبرز مرتكبيها جوزيف مايتون، مراسل الجريدة السابق بالقاهرة، الذى كان حديث العالم منذ سنتين تقريبًا، بعد أن اعترفت الجريدة بفبركاته واعتذرت عنها. أما أكاذيب ديكلان وولش، فلا ينافسه فيها غير زميله ديفيد كيركباتريك، الذى لا تزال «نيويورك تايمز» تفتح صفحاتها لشائعاته، هلاوسه، وشطحاته.

فى سقطتها الجديدة، رجّحت الجريدة البريطانية أن تكون معدلات الإصابات بفيروس كورونا فى مصر أعلى بكثير من الأرقام الرسمية، استنادًا إلى ما زعمت أنها أبحاث أخصائيين، اختصاصيين، أو متخصصين كنديين فى الأمراض المعدية، بجامعة تورنتو، «درسوا التفاوت بين معدلات الإصابة الرسمية والمرجّحة فى أماكن مثل إيران». وفى فقرة لاحقة، فى التقرير، وصفت هؤلاء الأخصائيين، الاختصاصيين أو المتخصصين بأنهم «علماء». ثم اتضح أن المصدر طبيب كندى واحد، وأن الأبحاث المزعومة ليست أكثر من تغريدات نشرها ذلك الطبيب فى حسابه على تويتر!.
التقرير تم نشره فى الرابعة عصر الأحد، بتوقيت جرينتش، وجرى تعديله فى السادسة والنصف صباح الإثنين. وكان التعديل اللافت، هو حذف اسم أدهم يوسف، الذى شارك ميشيلسون فى كتابة التقرير. والمذكور، بحسب تعريف موقع «مدى مصر»، «صحفى وناقد سينمائى مصرى. اهتمامه الأساسى بالسينما المصرية وتاريخها وتراثها الفنى وتأثيرها على الثقافة الشعبية. يشتمل عمله على التحليل السياسى الاجتماعى للأفلام المستقلة والتجارية، الدعاية والفنون البصرية. وعندما لا يشاهد أفلامًا، يغطى السياسة المصرية المحلية، مُركزًا على التعذيب، الانتهاكات خارج القانون، حقوق العمال والإسلام السياسى».

هذا «الفتى»، غالبًا، من «عينة» حسام بهجت، ونرجّح أن يكون أحد صبيانه أو غلمانه، إذ كان الموضوع الأول الذى نشره له الموقع، موقع «مدى مصر»، عنوانه: كيف تؤثر السينما المصرية على الخطاب الاجتماعى تجاه المثليين والمثليات؟
الطبيب الكندى اسمه إيزاك بورتش، Isaac Bogoch، يعمل أخصائيًا للأمراض المعدية فى مستشفى تورنتو العام. وما يؤكد سوء نية الجارديان هو أنها تعمدت عدم ذكر اسمه. مع أن ديكلان وولش، مراسل نيويورك تايمز، حين أراد غسل يديه من الشائعة، قام بمشاركة التغريدات التى عرض فيها ذلك الطبيب ملخصًا لدراسته التافهة، بعد أن عجز، باعترافه، عن نشرها فى أى مجلة علمية. وقطعًا، سترفض أى مجلة علمية نشر هذا الهراء، الذى يشكك فى القوى العقلية لصاحبه، ما لم يكن مستأجرًا.

مستأجر أو مشكوك فى قواه العقلية، قطعًا، من يزعم أن عدد المصابين فى مصر يتراوح بين ستة آلاف و٢٧٠ حالة و٤٥ ألفًا و٧٠، وبالتالى يكون المتوسط هو ١٩٣١٠، وحين اشتعلت التعليقات بالأسئلة والاستفسارات تراجع خطوات وزعم أن المعلقين لم يقرأوا التغريدات جيّدًا، وأنه رجّح فى التغريدة الرابعة أن يكون عدد المصابين أقرب إلى الحد الأدنى، أى ستة آلاف فقط. وربما استمر الفصال بعد مغادرتنا حسابه ونزل بالرقم إلى ما دون ذلك الذى أعلنته وزارة الصحة المصرية، ومنظمة الصحة العالمية!.
ما يؤكد سوء نية الجارديان أيضًا، هو أنها زايدت على علمائها المزعومين بزعم أنهم استخدموا «بيانات تعود إلى أوائل مارس عندما كان لدى مصر رسميًا ثلاث حالات مصابة بالفيروس»، وانطلاقًا من هذا الزعم رجّحت أن «الأرقام الآن صارت أعلى». وفى محاولة لتأكيد تلك المزاعم استعانت الجريدة بتلك المصادر: طبيب بأحد مستشفيات المطرية، طلب عدم نشر اسمه، أحد الصيادلة العاملين فى القاهرة، رفض نشر اسمه، شربينى، العامل فى أحد فنادق الأقصر!.
سقطة «الجارديان» الجديدة تعيدنا إلى سقطة الجريدة نفسها، فى ٤ فبراير ٢٠١١، حين نسبت إلى «خبراء»، فى عنوان تقرير أن «ثروة مبارك تصل إلى ٧٠ مليار دولار»، ثم وصفت مصادرها فى مقدمة التقرير بأنهم «خبراء اقتصاديون من الشرق الأوسط»، صاروا فى المتن واحدة فقط، تُدعى أمانى جمال، قالت إن ثروة الرئيس الأسبق تتراوح بين ٤٠ و٧٠ مليار دولار. مع أنك ستعرف بقليل من البحث أن دراسات المذكورة وأبحاثها والكتب التى أصدرتها أو شاركت فى تحريرها، تتركز حول أعراق وجذور عرب أمريكا!.
من السقطتين، القديمة والجديدة، وما بينهما، يتّضح مجددًا أن الأخبار الكاذبة لم تعد مجرد شائعات تقوم جهات، كيانات، أو أجهزة بزراعتها فى وسيلة إعلام أو اثنتين أو حتى عشر، بل تحولت إلى صناعة كاملة. كما لم يعد سرًا أن هناك دولًا تستخدم وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية، فى لعب أدوار داخل دول أخرى. ومع اتضاح أو افتضاح أن أخبارًا وتقارير عديدة موجهة أو مكتوبة بالأمر أو حسب الطلب، فإن عقلاء كثيرين، بعد لدغة أو لدغتين، صاروا يتابعون صحفًا بعينها ليعرفوا توجهات من يحركونها ومخططاتهم أو ألعابهم.