رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كورونا» صهيونية


شغلتنا هموم جائحة فيروس «كورونا» المستجد، عن تتبع جائحة سياسية أخرى، هى الانتخابات الإسرائيلية، التى جرت وقائعها، وظهرت نتائجها، التى لا تقل خطرًا، منذ أيام قلائل! وإذا كان فيروس «كورونا»، على ما يتضمنه من تهديدات، سيستغرق مداه المقدور، بخيره وشره، ويمضى إلى حال سبيله، مثلما مضى، فيما مضى، وباء «الكوليرا»، ووباء «الجدُرى»، وغيرهما من الأوبئة، فإن «كورونا الصهيونى» باقٍ معنا، حتى تتغير موازين القوى، وتتبدّل، أو تتعدّل مُعادلات الصراع، وهو أمر لا تبدو له نهاية منظورة.
ولعل أهم ما يمكن استنتاجه من نتائج هذه الانتخابات، التى فاز فيها ائتلاف أحزاب اليمين المُتطرّف، وعلى رأسها حزب نتنياهو «الليكود»، والقوى الدينية العنصرية، هو ميل المجتمع الصهيونى إلى الاتجاه يمينًا، أكثر فأكثر، والانحسار شبه التام للاتجاهات الصهيونية ذات الصبغة «الليبرالية»، أو «اليسارية» المزعومة «مُخلَّفات حزب (العمل) وأشياعه»، وهو ميل غالب، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن المنافس الرئيسى لتكتل اليمين، أى حزب «أزرق- أبيض» بزعامة «بينى جانتس»، لا يقل يمينية عن «نتنياهو» وحزبه وائتلافه، ولا يختلف عنهما حزب «إسرائيل بيتنا»، ورئيسه الإرهابى العنصرى «أفيجدور ليبرمان» صاحب تهديد ضرب السد العالى بالقنبلة الذرية، الذى يقبع فى أقصى أقصى اليمين الصهيونى الإرهابى.
فلا يمكن تبيّن أى خلافات أو اختلافات تُذكر بين مواقف كل هاتيك الأطراف، خاصةً فيما يمس الموقف العنصرى الفاشى من أبناء الشعب الفلسطينى، ونهب حقوقهم، والاستيطان على أرضهم، والخلاص من بقايا وجودهم المادى فى وطنهم، ومن تدريع المجتمع الإسرائيلى، وتصعيد ممارسات القوة المُفرطة تجاه الوسط العربى المحيط، ومن «صفقة القرن» وتصفية القضية الفلسطينية.. إلخ، ومن التحالف الكامل مع الولايات المتحدة، والتماهى مع سياساتها، فى آخر طبعات قيادتها العنصرية «دونالد ترامب»، واستراتيجياته العدوانية.
وعلينا أن نتملى جيِّدًا فى مضمون تصريح «نتنياهو» صبيحة يوم الانتخابات الأخيرة: «أتعهد بضم مساحات شاسعة من أراضى الضفة الغربية المحتلة، فى غضون أسابيع، إذا أُعيد انتخابى اليوم»، لكى نعرف ما ينتظرنا، وينتظر القضية الفلسطينية فى الغد القريب، إذ ليس أمام «نتنياهو» الذى ستنظر المحكمة فى تهم الفساد الموجهة إليه فى غضون أسابيع قليلة، إلّا المبادرة بسلسلة إجراءات من هذا النوع الذى أشار إليه فى تصريحه، مُستغلًا حالة الهشاشة والتخبُّط، الفلسطينية والعربية الراهنة، وفى محاولة مستميتة منه لحشد المجتمع الصهيونى والقطاعات الأكثر تَطَرُّفًا من حوله، أملًا فى حمايته من مصيره المحتوم، و«الفلفصة» من نتائج مُحاكمته التى قد تقضى بتجريمه وتلطيخ سُمعته السياسية والاجتماعية، وهى، على الأرجح، ما لم يَجِد جديد، ستفعل ذلك! وفى حُمَّى التنافس والمزايدة على الحقوق الفلسطينية والعربية، من المرجّح، كما يقول الخبراء، أن يُمنح «نتنياهو» فرصة زمنية كافية لتنفيذ وعوده، قبل النظر فى تقديمه للمحاكمة، ذلك أن إتمام هذا الأمر «ضم غور الأردن ومستوطنات الضفة، وغيرهما»، يغل يد من يخلفه فى موقع قيادة الوزارة والدولة، عن أن يتحلل من هذا الإجراء، مهما كانت الأسباب والذرائع، إذا وُجدت.
ولعل من أخطر أعراض هذه «الكورونا الصهيونية»، وأسوأها مآلًا، هو تدافع العديد من قادة الدول العربية، إلى التسابق فى ابتلاع الطُعم المُقَدَّم لهم، بتهويل مخاطر «الخطر الإيرانى»، والزعم بألّا منجاة لهم منه، إلّا بالارتماء فى أحضان إسرائيل وأمريكا «ترامب»، والهرولة، بدون داعٍ ولا مُبررات عقلانية، فى «التطبيع» المجانى مع إسرائيل، دون أدنى مقابل.
مفيد، بالطبع، أن ننشغل فى اتخاذ الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس «كورونا»، بل هو واجب ملزم ولا يقبل التأجيل. لكن هذا الأمر لا يجب أن يلهينا عن تتبع خطر الفيروس الآخر الذى ينهش فى عمق الجسد العربى، ويفتك بمواطن الوعى والإدراك والممانعة والمقاومة فيه.
إنه «الفيروس الصهيونى» الإسرائيلى، الذى يوشك أن يبلغ من العمر ثلاثة أرباع القرن، وهو ماض فى أداء وظيفته على أكمل وجه، ونحن فى غيبوبة كاملة، إلى أبعد مدى.