رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل القرآن عربى؟



لما انتهى عمل لجنة عثمان بن عفان، وأصبح عندنا «مصحف عثمان»، الذى هو صيغة موحدة مغلقة نهائية من القرآن، الإجراء التالى بـ الطبع، هو إحراق أى مصحف آخر، أو غسله بالماء، انتهى عهد «الأحرف»، أى كلام خارج هذا المصحف «غلط» اتعملت كذا نسخة طبقًا لـ هذه الصيغة، اتبعتت لـ الأمصار المختلفة مع أوامر بـ منع أى شخص كان من القراءة بـ صيغة مختلفة، دا بـ يفسر لنا غضب ابن مسعود، «على الأقل فى البداية» وكلامه إنه لما كان زيد بن ثابت ما زال «فى صلب رجل كافر»، كان هو بـ يجاهد بـ القرآن فى مكة، فـ يتقال له: خلاص، إنت ما عدتش تقرا بـ مصحفك.
ابن مسعود كان راجل بسيط، مش مستوعب أبعاد الأزمة، وعثمان هو «أمير المؤمنين» اللى شايف الصورة كاملة، مش بس عثمان اللى كان شايف، كبار رجال الدولة أقروا عثمان، وفيه منهم اللى كان أسبق من عثمان فى رؤية الأزمة، زى حذيفة بن اليمان.
على بن أبى طالب أقر عثمان، وفضل يدافع عن هذا الإجراء طول حياته «حسب ما وصلنا من روايات» فى النهاية، بقى عندنا مصحف موحد.
خلينا نتكلم كـ فنيين، ونفكر من زاوية اللغة، اللى هى أساس موضوعنا، ونسأل عدة أسئلة خاصة بـ النص لغويًا:
س: هل هو نص عربى؟ ج: نعم.
س: هل هو بـ «لغة عربية»؟ ج: نعم.
س: هل هو بـ «اللغة العربية الفصحى»؟ ج: لا.
س: هل هو بـ «لسان عربى مبين»؟ ج: نعم.
س: هل ١٠٠٪ من مكونات النص جاءت من هذا اللسان العربى المبين؟ ج: لا.
قبل ما نفصص الإجابات دى، ونذكر حيثياتها، خلينا نعيد تانى: الأغلبية العظمى من العرب فى بدايات القرن الـ ٢١، عندهم اعتقاد بـ إنه لما نقول «نص عربى» معناها مكتوب بـ «اللغة العربية الفصحى»، هذه «اللغة» «العربية» «الفصحى»، جاية من «أصل» واحد نموذجى، فـ كونها عربية يعنى من هذا الأصل النموذجى، وكونها فصحى يعنى خالية من أى شوائب خارجية.
دا تصور أسطورى، مالوش علاقة بـ أى واقع اتوجد على ظهر البسيطة. مفيش أى لغة فى الدنيا، عربية أو غير عربية، جاية من أصل نموذجى بيور، سواء حافظت على هذا الأصل أو لم تحافظ. فى مقالات سابقة تتبعنا مسيرة العرب، لـ حد ما وصلنا هنا.
فى ضوء اللى قلناه، تعالى نجاوب ع الأسئة اللى فوق:
هل القرآن نص «عربى»؟ طبعًا، هل هو بـ «لغة عربية»؟ طبعًا، هل هو بـ «اللغة العربية الفصحى»؟ لا. لـ إنه ما كانش فيه حاجة نقدر نسميها «اللغة العربية الفصحى»، كان كل قبيلة ليها لغة، يتكلم بها الناس، وحتى محاولات الوصول إلى لغة عربية واحدة نموذجية، ما أسفرتش عن دا، فـ كان فيه على الأقل سبع لغات «نخبة»، كل لغة تحتها لغات كتير. القول بـ إنه لغة القرآن هى «الأصل» لـ كل دا، يجافى الواقع والتاريخ والجغرافيا والمنطق كمان، فضلًا عن إنه الكتابة كانت بدائية جدًا، مالهاش علاقة حتى بـ المصحف اللى بين إيدينا النهاردا، حتى الأحرف المختلفة، اللى «قد» تكون بـ أقول «قد» تكون» ممثلة ولو نسبيًا لـ لغات عربية تانية، اختفت. طيب، هل القرآن بـ «لسان عربى مبين»، طبعًا، اللسان هنا، بـ معنى أقرب لـ «الأسرة اللغوية»، اللى هى جامعة لـ كل لغات العرب، «جامعة» مش أصل، اللسان مش لغة الناس بـ تتكلم بيها، اللسان توصيف لـ عائلة من اللغات، فـ القرآن جاء بـ «لسان عربى مبين».
يفضل آخر سؤال، نخليه لـ مقال جى بقى، فـ ابقوا معنا.