رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فيروس «كوفيد- 19» والعبث مع الصغار



حالة من الذعر تنتاب العالم بسبب انتشار فيروس «COVID- 19»، وما يلى ذلك من التهاب بالرئتين والأعراض التى تشبه الإنفلونزا، ومع ارتفاع وتواتر معدلات اكتشاف المصابين بالفيروس بدأ العالم يشهد العديد من المظاهر التى تعكس حالة الخوف مما هو قادم.
ففى العالم الإسلامى، كانت صورة الحرم المكى خاليًا من المطوفين شديدة التأثير فى النفس، خاصة لمن زار البيت الحرام وطاف به، حيث قررت السعودية إغلاق صحن المطاف حول الكعبة المشرفة والمسعى بين الصفا والمروة، وستكون الصلاة داخل المسجد الحرام فقط طوال فترة تعليق العمرة، كما قررت السلطات إغلاق الحرمين الشريفين بعد انتهاء صلاة العشاء بساعة، وإعادة فتحهما قبل صلاة الفجر بساعة.
خلال رحلتى للحج فى العامين الماضيين، لم يكن صحن الكعبة المشرفة يقل فيه الازدحام بالطائفين والمصلين، وكان الطواف الدائم كأنه جزء من صيرورة الزمن والحركة الدائمة لعقارب الثوانى والدقائق والساعات، الفنادق المحيطة بالحرم لا تعرف الليل من النهار، فهى فى حياة وحركة ودخول وخروج مستمرين، المحلات تغلق فقط وقت الصلاة، كيف هى الآن؟ كيف حال العاملين بها؟ من يستطيع أن يتوقع متى ترتفع الغمة؟
العالم يمر بحالة تهديد كونى لوجوده، الإحساس بالخطر جعل البشر فى كل مكان يستعيدون ذكرياتهم ومخاوفهم القديمة، ومنها الإحساس بنهاية العالم الذى بدأ فى أمريكا منذ أيام الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة، مع تصاعد سباق التسلح النووى بين الدولتين، واحتمال حدوث ضربة نووية سوفيتية للأراضى الأمريكية، ذلك الخوف أسهم فى إيجاد ماعرف بـ«ملاجئ يوم القيامة»، حيث يسارع المواطنين إلى «التحصن» فى أماكن محمية قبل فوات الأوان، وشراء مواد تساعدهم على البقاء على قيد الحياة لفترات زمنية طويلة.
وقد أعلنت إحدى الشركات الأمريكية المصممة لهذه الملاجئ عن ارتفاع الإقبال عليها، مع تزايد الإحساس بالخطر وانتشار فيروس «كوفيد- ١٩».
وقد حث المدير العام لمنظمة الصحة العالمية المجتمع الدولى على توحيد الجهود لتفادى «مزيد من الإصابات ومزيد من دفع الثمن»، مبينًا: «لا نزال ملتزمين باستراتيجية الردع، وعلينا ألا نسمح بانتشار الفيروس على المستويات المحلية، كما دعا العالم بأسره لأن يكون حازمًا لأقصى درجة ممكنة فى مكافحة سلالة كورونا الجديدة، معتبرًا أنه فى حال لم يرغب المجتمع الدولى فى الاستيقاظ والتعامل مع الفيروس على أنه العدو رقم واحد، فلن نكون قد تعلمنا من دروسنا».
عواقب «كوفيد- ١٩» أصبحت واضحة للناس فى جميع أنحاء العالم، وهدد السفر المتوقف والانكماش الاقتصادى الأوسع نطاقًا بعواقب وأضرار اقتصادية أكبر.
كما حذر برنامج الغذاء العالمى، التابع للأمم المتحدة، من «خراب مطلق» محتمل، مع وصول تداعيات تفشى الفيروس لإفريقيا والشرق الأوسط.
كل هذا الذعر يسببه كائن صغير من مخلوقات الله، لا يمكنه التكاثر إلا داخل خلايا كائن حى آخر، والفيروسات صغيرة جدًا، ولا يمكن مشاهدتها بالمجهر الضوئى، وتصيب جميع أنواع الكائنات الحية، وقد اكتشفها الإنسان عام ١٨٩٨، وإن كان قد عانى من ويلاتها من قبل، حيث الفيروسات تعد الكيان البيولوجى الأكثر وفرة فى الطبيعة.
الخوف الدائم من قدرة الفيروسات، التى يعنى اسمها باللاتينية السم القاتل، على خلق أوبئة مدمرة فى المجتمعات البشرية أدى إلى القلق من استخدامها لصنع أسلحة بيولوجية، وكانت البداية عام ١٩١٨ بعد إعادة التخليق الناجحة فى المختبر لفيروس الإنفلونزا، والأنباء التى تتوارد تؤكد أن فيروس «كوفيد- ١٩» هو فيروس مخلق فى معامل مدينة ووهان، لكنه تسرب عن طريق الخطأ، من «مركز ووهان لمراقبة ومنع انتشار الأمراض»، وقال موقع التليفزيون الروسى: إن المختبر شهد حادثتين لانتقال الفيروس المميت، الأولى عندما هاجم خفاش أحد الموظفين، وعضه وترك دمه على جلده، والحالة الثانية حين تبوّل حيوان آخر على نفس الموظف، الذى كان يدرك مدى خطورة الحادث، لذلك عزل نفسه، طوعًا، عن الآخرين لمدة ١٤ يومًا، لكن ذلك على ما يبدو، لم يكن كافيًا.
ويبدو أن الإنسان لن يكف عن العبث مع الفيروسات حتى يدفع حياته ثمنًا للعب مع الصغار.