رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كنيسة الإسكندرية وسر قوتها «2»


يضاف إلى سر قوة كنيسة الإسكندرية التزامها التام وتمسكها الشديد بضرورة إقامة أسقف الإسكندرية من بين طغمة الرهبان فقط، كما صدرت به قرارات مجمع نيقية المنعقد عام ٣٢٥م، بينما الكنائس الأخرى تخلت عن هذا الالتزام. وظلت الكنيسة القبطية متمسكة بهذا النظام حتى عام ١٩٢٨ عندما خالفت ذلك بإقامة المطران الأنبا يؤانس ليكون البطريرك ١١٣ باسم البابا يؤانس ١٩، واستمرت هذه المخالفة حتى ١٩٥٦ بنياحة البابا يوساب الثانى «١٩٤٦- ١٩٥٦» البطريرك ١١٥.
بعد ذلك ظلت الكنيسة القبطية دون أسقف للإسكندرية لمدة ما يقرب من ٣ سنوات بسبب تكالب الأساقفة والمطارنة على كرسى الإسكندرية وأن يختار أسقف الإسكندرية من بينهم! ولكن الرب أقام للكنيسة فى ذلك الوقت قائمقام قويًا وشجاعًا وصاحب ضمير حى لا يرضخ لأى ضغوط وأصر على إعادة الكرامة لكرسى الإسكندرية وأجريت الانتخابات بين آباء رهبان فقط، وكان من بين هؤلاء الرهبان راهب ناسك وتقى ومحب الصلاة وحياة الوحدة هو الراهب مينا البراموسى المتوحد الذى تم اختياره بقرعة هيكلية نزيهة جدًا فى ١٩ أبريل ١٩٥٩، فكان هو البابا كيرلس السادس «١٩٥٩- ١٩٧١» البطريرك ١١٦، وكان عهده بركة وسلامًا للكنيسة والوطن ثم بعد ذلك بنياحة البابا كيرلس السادس فى ٩ مارس ١٩٧١، عادت المخالفات القانونية مرة أخرى فدخلت الكنيسة فى العديد من المشاكل والضيقات التى يعانى منها الشعب والوطن أيضًا.
فقصة اختيار أسقف الإسكندرية هى أنه عند اختيار أسقف لمدينة الإسكندرية يتم نفس الذى يتم إجراؤه عند إقامة أساقفة الإيبارشيات الأخرى، أى اختيار أحد الآباء الرهبان الأفاضل من أحد الأديرة المصرية، وهنا يشترك جميع أساقفة الكنيسة القبطية فى وضع أيديهم عليه ليقيموه أسقفًا للإسكندرية، وفى تلك اللحظة مباشرة يحمل لقب «بابا وبطريرك» لأن مدينة الإسكندرية لها كرامتها الخاصة، من هنا فإن أسقف الإسكندرية هو الوحيد الذى يحمل لقب بابا وبطريرك. لذلك لا يمكن ترقية أى أسقف أو أى مطران إلى بطريرك. فالبطريرك لقب وليس ترقية، ومن ثم لا يوجد ما يُسمى لائحة انتخاب بطريرك، بل هى لائحة انتخاب أسقف الإسكندرية. وأسقف الإسكندرية ليست له سلطة وليس له أن يتدخل فى شئون أسقفية أخرى، وليس له أن يستقطع جزءًا من أى أسقفية طالما أسقفها الذى أقيم عليها ما زال حيًا، وليس له الحق فى إقامة أسقف على جزء من إيبارشية بها أسقف. أيضًا الرهبنة القبطية، فأصول الرهبنة فى مصر قديمة جدًا، وتاريخها أقدم من تاريخ القديس أنطونيوس «٢٥١- ٣٥٦م» ثم تبعه القديس آمون «٢٧٥- ٣٣٧م» والقديس باخوم «٢٩٠- ٣٤٦م» والقديس أنبا مقار «٣٠٠- ٣٩٠م»، ولكنها فى بدايتها لم تكن من نوع الحركات الرهبانية العامة المُنّظمة، وإنما أخذت وضعهـا الثابت المعـروف وصيغتها العالمية الواسعة النطاق على يدى الأنبا أنطونيوس الذى تطورت فى عهده ذلك التطور التاريخى حتى صار المؤرخون يطلقون على هذه الفترة من فترات تاريخ الرهبنة اسم «الرهبنة الأنطونية» نسبة إليه. من هنا فإنه ترجع نشأة الرهبنة المسيحية بصفة عامة والرهبنة القبطية بصفة خاصة إلى القديس أنطونيوس المصرى المُلقب بلقب «أب الرهبان»، وما زال العالم كله يعتز بالقديس أنبا أنطونيوس ويطلقون عليه اسم «أنطونيوس الكبير»، وكثير من الكنائس المنتشرة فى أنحاء العالم تحمل اسم القديس أنبا أنطونيوس أو «سانت أنطوان»، وكثير من العائلات المسيحية فى أنحاء العالم كله يطلقون اسم «أنطونيوس» أو«أنطون» أو«أنطوانيت» أو«أنطونيا» على أولادهم وبناتهم. ثم إلى القديس باخوم الذى أسس نظام الشركة الرهبانية، ثم إلى القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين «٣٣٣- ٤٥١م» واضع نظام التوحد الرهبانى. النسبة للتقويم اليوليانى، فعندما أراد الرومان إصلاح تقويمهم واستبدال السنة القمرية بالسنة الشمسية استقدموا فلكيًا مصريًا من الإسكندرية يُدعى «سوسيجنس» ليُجرى لهم هذا الإصلاح. فأسس التقويم الشمسى. وقد أصدر الإمبراطور «يوليوس قيصر» فى سنة ٧٠٩ من تاريخ تأسيس روما- وهى السنة الموافقة لسنة ٤٦ قبل الميلاد- أمرًا بتعميم التقويم الشمسى فى جميع أنحاء الامبراطورية الرومانية. وظل هذا التقويم معمولًا به سنوات طويلة تحت اسم «التقويم اليوليانى» نسبة إلى يوليوس قيصر، إلى أن قام بابا روما «جريجورى الثالث عشر» فى سنة ١٥٨٢م وأصدر أمرًا بإسقاط ١٣ يومًا من التقويم اليوليانى، ويُسمى التقويم المُستحدث «التقويم الجريجورى» نسبة إليه. تمسكت الكنائس الشرقية بالتقويم اليوليانى، فنجد الكنيسة القبطية والكنيسة الروسية والكنيسة القبرصية والكنيسة اليونانية «وبالتحديد رهبنة جبل آثوس التى تزيد على ٢٢ ديرًا» والكنيسة الأرمينية فتحتفل بعيد ميلاد السيد المسيح فى ٧ يناير، ولو أن الكنيسة الأرمينية تحتفل فى ٦ يناير. ثم بخصم ١٣ يومًا يكون ٢٥ ديسمبر وهو الذى تحتفل به الكنائس الغربية. وكل من الفريقين يعتز بالتقويم الذى يتبعه، لذلك الحديث عن توحيد العيد أمر مستبعد، وبالأخص نحن فى الكنيسة القبطية العريقة يقع عيد الميلاد فى ٢٩ كيهك- طبقًا للتقويم القبطى- الذى نعتز ونتمسك به نحن الأقباط. حدث بعد ذلك فى مخالفة قانونية صريحة أن قام مطران لوس أنجيلوس المخالف -ومعه للأسف الشديد أسقف الإسكندرية- بالاحتفال بعيد الميلاد فى ٢٥ ديسمبر وأيضًا فى ٧ يناير! فانبرى لهم كاهن شجاع من المهجر وأيضًا مجموعة مخلصة وأمينة من الأساقفة الشجعان، وأيضًا شعب المهجر بالاعتراض على تلك المخالفات التى تمت برغم عدم وجود قرار من مجمع أساقفة الكنيسة القبطية، وتحذيرهم من أن هذا الأمر سوف يشق الكنيسة القبطية العظيمة، وتحذيرهم من مخالفة قوانين الآباء الرسل الأولين، وتحذيرهم من الاحتفال بالعيد، بينما الشعب مستمر فى الصوم! ثم استدعى عنده فى لوس أنجلوس فى قناة «لوجوس» كاهنًا من شيكاغو- معروف عنه الوصولية عندما كان يخدم فى الإسكندرية وليس له مبدأ ولا التزام كنسى- وأعلن فى القناة عن أن التقويم القبطى به «خطأ»! وكل ما قدمه من شروحات كانت خاطئة تمامًا، لكن الذات كانت منتفخة على حساب الكنيسة! ومن هنا نجد أنه على يد بعض غير المخلصين لكنيستهم يتم هدم ما قام به الآباء الأولون! لكن لن يحدث ولن تستمر تلك المهازل. أما موضوع عيد القيامة فالأمر منتهٍ تمامًا، فقد تحددت طريقة حسابه منذ العصر الرسولى الأول، كما وضعه الآباء الرسل ثم تثبت فى المجامع المسكونية فى القرن الرابع الميلادى، لذلك فالآراء الشخصية لتغيير هذا العيد أمر مُستبعد وعدم أمانة منا للآباء الأولين، بل هو تبعية لكنيسة روما التى انحرفت عن النظام الذى وضعته المجامع المسكونية، فبالأولى أن نوضح لكنيسة روما الحساب الصحيح حتى تقوم بتصحيح نفسها وتتبع التقليد الآبائى. هذه قصة كنيسة الإسكندرية التى تأسست عام ٦٤م وما زالت باقية شامخة تؤدى رسالتها الروحية، كما تسلمتها من الآباء الأولين بكل أمانة وصدق، رغم ما شاب بعض التقاليد الكنسية من انحرافات لن تدوم حتى يعود لكنيسة الإسكندرية مجدها العظيم الذى تأسست عليه وتمسكت به على مر العصور.