رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كيف تصنع مريضًا نفسيًا».. بين الرواية والكتابة الأكاديمية

كيف تصنع مريضًا نفسيًا
كيف تصنع مريضًا نفسيًا

الكتابة الأكاديمية البحثية جافة بطبعها، تخلو دومًا من حسن الصياغة الأدبية، لأنها تعتمد على الأرقام أو النظريات العلمية التى تلفظ المحسنات البديعية. أما الرواية فهى النموذج الأفضل لحسن الصياغة الأدبية والركض خلف العبارات الرشيقة والعذبة. كما أنها تلفظ النظريات العلمية إلا فيما ندر، وذلك لا يكون بصورة فجة، حيث الاستشهاد بما يسد الرمق ليس أكثر. لذا يكون المبدع فى حيرة من أمره إذا أراد أن يكتب عن نظريات علمية فى إطار أدبى. وهذا ما قرأته بالفعل فى سطور كتاب "كيف تصنع مريضًا نفسيًا؟" للكاتبة كريمة الشريف. التى جاء كتابها بقلبين قلب ينبض بنظريات نفسية رقمية، وقلب ينبض بحس روائى رومانتيكى. لذا صنفت هذا الكتاب بالكتاب الروائى. وأظن أن الكاتبة وقفت بين طريقين حين شرعت فى الكتابة. فاحتل السؤال الأهم رأسها، هل أجعل من المادة العلمية التى تحصلت عليها لكل الأمراض النفسية كتابًا يحمل عنوانًا شيقًا وجاذبًا وهو " كيف تصنع مريضًا نفسيًا ؟ " ذاك العنوان الذى يثير حفيظة الكثيرين على جوجل ولا يجدون إليه سبيلًا. أم أكتب رواية بطلها طبيب نفسى أغمس بداخلها تلك النظريات النفسية ؟ شريطة أن يكون الطبيب لديه قدرات خاصة تؤهله لاختراق عقول الآخرين فى أحلامهم، فتتاح له فرصة السفر ليعمل فى مركز بحثى مشبوه بألمانيا لعلاج المصابين نفسيا بطرق مختلة. تكاد أن تفقده عقله ودينه فيعود إلى قريته القابعة بالصعيد مرورًا بقصة حب تربطه بإعلامية مصرية تشجعه على السفر ثم تتبعه إلى هناك وفي الأخير نكتشف أنها تعمل لصالح المنظمة التى ينتمي إليها رئيس المختبر فى ألمانيا. وقصة حب أخرى من سونيا اليهودية الإفريقية التى تعمل أيضًا فى المختبر ذاته والتى حاول اختراق عقلها المصفح فلبث فى غيبوبته شهرًا كاملًا.

وكانت الإجابة هى أن أفعل الأمرين. كتاب ورواية فى آن واحد وبرغم صعوبة وخطورة المغامرة

.. استطاعت الروائية كريمة الشريف وبخفة ملحوظة أن تضع ساقا داخل الرواية وساقا داخل الكتابة الأكاديمية دون أن تفقد اتزانها. كما أنها كانت ذكية جدًا فى اختيار اسم بطل الرواية " محمود ياسين " الذى يتشابه اسمه مع اسم الفنان المصرى الكبير الذى أدى أدوارا نفسية معقدة فى العديد من أفلامه السينمائية، التى اسقطت الكاتبة أسماءها على أسماء فصول الكتاب أو الرواية، أو نصف الكتاب ونصف الرواية. كما تمكنت الكاتبة من الهروب برشاقة من سجن الكتابة النسوية، فاستطاعت أن تنتحل صفة الرجل بصورة جلية من حيث أبعاده النفسية وقدرته على الحب أكثر من مرة. فى النهاية عاد محمود ياسين إلى قريته البسيطة وفى هذا دلالة على أن الحياة الحقيقية تكمن فى البساطة والطيبة والحب.

فى الأخير أقول: كتاب كيف تصنع مريضا نفسيا كتاب روائى بامتياز.