رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أول الغيث «دندرة»



تحت عنوان «المنع ليس حلًا يا فنان» وفى نفس المكان، كنت قد كتبت الأسبوع الماضى منتقدًا قرار الفنان هانى شاكر، نقيب الموسيقيين، بشأن منع مطربى المهرجانات من الغناء، ولم أكن إلا مُتحفظًا على فكرة المنع، خاصة أنها تتنافى، أو يجب أن تتنافى مع روح الفنان، كما أنها لم تعد منطقية فى عصر سادت فيه تكنولوجيا الاتصالات إلى حد السطوة، حتى إن زمن الحياة فى العالم الافتراضى بات أطول كثيرًا منه على أرض الواقع، وأكدت فكرتى بضرورة مواجهة عملة الفن الرديئة بعملته الجيدة، مُحملًا هانى شاكر وذويه من أصحاب المقامات الرفيعة فى تاريخ الغناء المصرى مسئولية إخلاء الساحة لمطربى المهرجانات.
بقدر ما كانت رسالتى مباشرة، بقدر ما خلط المتابعون فى تفاعلهم معها بين تحفظى على فكرة المنع، وتأييدى مطربى المهرجانات، وهم على ما أصبحوا عليه من إسفاف وانحدار.. رفض منهج المنع مسألة مبدأ، وهى لا تعنى بالضرورة انحيازى لمطربى المهرجانات، فأنا لا أسمع لهم من الأساس وهو بيت القصيد، مواجهة هؤلاء لا بد أن تنطلق من وعى الجمهور، أن نرتقى بحسه الوجدانى وتذوقه الفنى إلى حد القدرة على فرز الغث من السمين، وكنت قد نوهت إلى تراجع دور الدولة عن رعاية الفنون بشكل عام، وهو ما أسهم بقوة فى «طفح» بعض الظواهر الفنية، ليست أولاها أفلام السبكى، ولا آخرها أغانى المهرجانات.
سنوات طويلة لا نشاهد برنامجًا مثل «أمانى وأغانى»، ولا حفلات كـ«ليالى التليفزيون» أو «أضواء المدينة»، وطغت الإعلانات حتى احتلت محل الأغانى كفواصل على شاشات الفضائيات، وأصبحت حفلات النجوم مقصورة على بعض فئات المجتمع، وبالتزامن تستشرى أغانى المهرجانات عبر قنوات تليفزيونية خاصة وحفلات فى الأحياء الشعبية، وأفراح فى الشوارع الخلفية، و«دى جيهات» فوق المراكب النيلية، بخلاف أجهزة بث الأغانى بالميكروباصات والتكاتك والكافيهات والمطاعم وخلافه، نمو سرطانى رهيب فى جسم فقد مناعته بفعل فاعل، ومع سبق الإصرار والترصد، حتى أصبح أطفال فى عمر الزهور، بهلوانات مهرة فى الرقص على أغانى المهرجانات، وكأنها تجرى فى دمائهم وهم بعدُ أجنّة، أو هى كذلك بالفعل.
وبينما ألوم على «طناش» وزارتى الثقافة والإعلام ملف الأزمة، ظهرت بقعة ضوء فى آخر النفق الذى كنا نظنه مظلمًا، مهرجان «دندرة» الأول للموسيقى والغناء، والذى تنظمه دار الأوبرا المصرية، وتنطلق فعالياته بمعبد دندرة فى محافظة قنا، تحت رعاية الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، يأتى «دندرة» فى إطار إعادة تشكيل الوعى وبناء الإنسان والارتقاء بالذوق العام، فى تجسيد لإعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى ٢٠٢٠ عامًا للثقافة والوعى، ويُعد أول مهرجان ثقافى وفنى يُقام فى محافظة قنا، ويشهد فعالياته معبد دندرة وقصر ثقافة قنا وجامعة جنوب الوادى، ومن المنتظر أن يتواصل المهرجان سنويًا، على غرار المهرجانات الفنية بالأقصر وأسوان. يشارك فى إحياء حفلات مهرجان دندرة النجوم: على الحجار، مدحت صالح، هشام عباس، مى فاروق، دينا الوديدى، نسمة عبدالعزيز. ومعهم فرق: وسط البلد، بلاك تيما، مسار إجبارى، الأقصر للفنون الشعبية. وعلى الهامش يُقام معرض للكتاب شخصيته فى دورة «دندرة» الأولى ابن قنا الخال عبدالرحمن الأبنودى.. مثل مهرجان دندرة نتمنى تكراره بالتناوب على مدار العام بمختلف محافظات الجمهورية، كما نطمح أن تُطلق الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية قناة خاصة بالأغانى، وأن تمنح برامج الموسيقى والغناء بعض الوقت ضمن ساعات بث قنواتها الفضائية. مواجهة مطربى المهرجانات، يجب أن تكون مواجهة نفس طويل، تساعد الجسم على استعادة مناعته، ولعل أول الغيث «دندرة».