رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأغانى الشعبية بين المنع والحرية «1-2»


لا شك أن المتابع الدقيق والمنصف لأحوال مصر فى السنوات الأخيرة لا بد أن يُقر بأن مصر قبل أحداث يناير ٢٠١١ قد تغيرت عما بعدها، ولا شك أيضًا أن هناك فوضى عارمة قد حدثت فى كل نواحى الحياة، وأن هناك تغييرات كبرى متتالية ومختلفة قد حدثت، فكانت لها تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة فى كل نواحى الحياة.

تغيرت مصر فى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية، وكان لا بد مع كل هذا أن يتغير الفن لأنه مرآة تعكس ما يدور فى المجتمع، وتعبير عن الواقع المعيش، ولأن هناك أجيالًا من الشباب والبنات قد وجدت نفسها خلال السنوات العشر الأخيرة ترى تغييرات كبرى متلاحقة، مصحوبة بتغيرات فى المفاهيم والسلوكيات والآراء والإعلام، بالإضافة للفتاوى العديدة التى طفت على السطح لتخرب العقول وتنشر التطرف فى كل شىء، كما انتشرت الفوضى والبلطجة والعنف فى التعاملات اليومية، بل تكاد القيم والأخلاق أن تندثر إن لم نحافظ عليها، وأيضًا ظهرت موجات من الخطط الممنهجة والرامية إلى تغيير وجه مصر والهوية المصرية العريقة.

وهكذا مع هذه التغيرات أصبح المواطن فى الأحياء الشعبية، وفى الأحياء الراقية، فى حاجة إلى الترفيه والتخفيف عن نفسه من الضغوط والمشاكل والتغيرات من حوله، فظهرت موجة من الدراما والإعلام والبرامج والأغانى والأفلام ذات الصوت العالى والصراخ والسطحية، وجد فيها الكثيرون ملاذًا ومهربًا من الضغوط اليومية.
ومن هنا بدأ الشباب يبحثون عن أغانٍ وموسيقى مختلفة عما نشأ عليه الآباء والأمهات، وأصبحت لديهم قناعة بأن لديهم وسائل أخرى لهم الحرية فى اختيارها، لأن الدنيا قد أصبحت مفتوحة أمامهم، والعالم أصبح متاحًا مع تطور وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة، مثل الموبايل والآى باد والكمبيوتر.
إن الشباب والبنات يشاهدون يوتيوب وإنستجرام وتويتر وفيسبوك والمواقع العديدة والإنترنت، ما يتيح لهم الدخول إلى كل المواقع بكل أشكالها وأهدافها، وحسب اختياراتهم ومزاجهم وأصدقائهم ومعارفهم.
فلم تعد هناك سلطة مطلقة للرقابة من الأسرة سوى سلطة المحبة والتوجيه والتربية السليمة والمتابعة والحوار والتفاهم، ولم يعد العنف مع الأبناء مقبولًا لأنه يجعلهم أكثر كراهية للبيت وابتعادًا عن الأهل، ولا بد للأمهات والآباء من المتابعة والنصح والتقرب من الأبناء حتى يمكن أن تجدى التربية فى سلوكياتهم، ولا بد من زرع القيم النبيلة بداخلهم باستخدام العقل والمنطق والاحتواء والحب، لأن هناك تأثيرات أقوى على الشباب والمراهقين من خارج البيت.
لهذا، فإن الكبار لا بد أن يدركوا أن المراهقين والمراهقات اليوم لهم مزاج واختيارات مختلفة عنا نحن الذين نشأنا على أغانى أم كلثوم وعبدالحليم وفريد الأطرش وفيروز وشادية ومحمد فوزى وفايزة أحمد، ثم موجة أخرى من الغناء منها محمد منير وهانى شاكر وماجدة الرومى وأصالة وكاظم الساهر وحكيم وعدوية وشفيق جلال والعزبى، ثم مدحت صالح وعمرو دياب وإيهاب توفيق وحماقى وعاصى الحلانى وراغب علامة وهشام عباس ونانسى عجرم ونوال الزغبى، ثم تامر حسنى وآمال ماهر وأنغام وحمادة هلال وشيرين والشاب خالد وغيرهم.
ومنذ سنوات انتشرت فى العالم كله أغانٍ وموسيقى مختلفة، وتيارات متعددة، فلم تعد الأغانى تأخذ شكلًا واحدًا، فإلى جانب الأوبرا فإن هناك الأغانى الرومانسية والجاز والهارد روك والكنترى والراى والراب وغيرها. وأتوقف اليوم عند الراب تحديدًا، لأنها كلمات يؤديها مؤدون ليس بالضرورة أن تكون أصواتهم جميلة أو مطربة أو قوية أو ناعمة، لأن الكلمات تعتمد على إيقاع معين يتماشى معها، وأحيانًا تقال كلمات الأغنية عشوائيًا للتعبير عن مواقف فى الحياة، أو عن مشاعر فى مواجهة الآخرين، وهى نوعية انتشرت كما النار فى الهشيم فى العالم منذ بداية سنة ٢٠٠٠ وحتى الآن، ويشاهدها الشباب والمراهقون كأولوية مثل أغانى مغنى الراب العالمى «إمينم»، وغيره ممن يستمع إليه ملايين الشباب فى العالم.
وأصبح «إمينم» نموذجًا فى طريقة لبسه البسيطة، فهو يرتدى الجينز المقطع والكاسكيت على رأسه وأى «تى شيرت» بسيط جدًا، وكذلك المطرب أيضًا آيس كيوب وغيرهما، وأغانى الراب تغنى فى كل مكان فى الشوارع والأندية والكافيهات والمسارح والشوارع والساحات، وتبث عبر مواقع التواصل الاجتماعى وهى منتشرة فى كل العالم.
هذه المقدمة أقولها لأنها خلفية توضح المستجدات التى حدثت فى العقد الأخير فى دنيا الأغانى والموسيقى التى قد تغيرت فى العالم، وبالتالى انتقلت إلى مصر، فلم تعد الأغانى تعتمد على الطرب أو الصوت الجميل، بل تعتمد على نوعية أداء مختلفة، وباستخدام أجهزة حديثة وتصحبها حركات شبابية واستعراضية حديثة لا تمت لخطوات الغناء أو الرقص التقليدى بصلة.
لقد تغير شكل الغناء ومضمونه فى العالم كله، وفى مصر بالتالى، واتسعت مساحة الحرية فى التعبير والرقص والاستعراض، بعيدًا عن القوالب التقليدية أو المتعارف عليها، كما اتسعت وسائل بثّها، ولم يعد أحد يستطيع أن يوقفها أو يتحكم بها.
لهذا فإننى فى مواجهة أزمة الأغانى الحالية التى حدثت فى مصر، كنت أفضل أن يتم التعامل مع الأغانى الشعبية والمؤدين لها بشكل مختلف وأكثر حكمة.