إبراهيم نجم: تمزق الهوية من أسباب انتشار التطرف بين شباب أوروبا
أكد الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية، الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الفتوى الصحيحة لها دور كبير في استقرار المجتمعات وتحقيق التنمية والتعايش بين أبناء الوطن الواحد.
وقال إن الجماعات الإرهابية استغلت النصوص الشرعية لتبرير أفعالها وزعزعة استقرار المجتمعات وهنا يجب أن نؤكد أنه ليس كل من لديه معلومات دينية مؤهلًا للإفتاء؛ لأن الإفتاء يحتاج إلى مهارات خاصة يتم التدرُّب عليها، لذا نطالب المسلمين جميعًا بعدم الالتفات إلى غير المختصين، واللجوء إلى أهل العلم المؤهلين للفتوى.
جاء ذلك في كلمته التي ألقاها بمقر الأمم المتحدة في جنيف خلال جلسة بعنوان "أسباب انتشار الإرهاب بين الشباب المسلم في أوروبا ودور المؤسسات الدينية في مكافحة التطرف" ضمن فعاليات مؤتمر "تحصين الشباب ضدَّ أفكار التطرف والعنف وآليات تفعيلِها".
وأكد نجم أن التطرف ليس مرده إلى تعاليم الأديان ولكن لمجموعة معقدة من العوامل نحتاج لفهمها جيدًا حتى نعالج هذه الظواهر التي تهدد العالم منها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وحول أسباب انتشار التطرف بين الشباب في أوروبا قال نجم: "إنه إذا ناقشنا أسباب انتشار التطرف بين الشباب في أوروبا نجدها كثيرة ومتشابكة يأتي على رأسها تمزق الهوية الذي يعانيه الشباب المسلم في عالم لا يشعر أنه يمثله، بل يتجاهله وأحيانًا يمارس التمييز ضده. وفي محاولة عملية لإثبات الانتماء للهوية الإسلامية يتجه هؤلاء الشباب إلى الانخراط في أعمال عنف ليؤكدوا بها هويتهم وصلتهم بالإسلام"، مضيفًا أنه من الثابت أن خطاب الإسلاميين المتشددين يؤتي ثمرته في نفوس الشباب هناك؛ كونه يمس العاطفة الدينية المتعطشة لديهم لإعلاء كلمة الإسلام.
وأشار إلى أنه بما أن المسلمين في أوروبا بعيدون عن المراكز العلمية الوسطية التي تتوخى مقاصد الشريعة وتراعي المآلات، وتحقق المعادلة الصعبة في التوفيق بين الشعور الديني والشعور الوطني، ولأن الإناء الفارغ لا بد أن يملأ؛ فإنه يكون من اليسير على الجماعات ذات الأيديولوجية المتشددة أن تسد فراغ الشباب الروحي وتروي جهلهم بالدين السمح عن طريق خطاب سطحي عاطفي يتسم بالاختزال الشديد لأحكام الإسلام وتصويره على أنه محصور في عقيدة الولاء والبراء وما يلزم عنها من ضرورة الجهاد.
وأشار مستشار فضيلة المفتي إلى أن دار الإفتاء المصرية استشعرت خطر فتاوى الإرهاب وقامت بحزمة من الإجراءات لمواجهة الآلية الدعائية للتنظيمات الإرهابية كان على رأسها إنشاء مرصد لفتاوى التكفير والآراء المتشددة، والتي أشادت به الأمم المتحدة في تقريرها، وأصدر حتى الآن ما يزيد عن 500 تقرير بحثي بالإضافة لإصدارات وكتب مطبوعة حول التطرف والإرهاب الفكري، كما أنشأت الدار عددًا من الصفحات في الفضاء الإلكتروني كصفحة "داعش تحت المجهر"، وإصدار مجلة إلكترونية باسم “insight” باللغة الإنجليزية للرد على مجلتي "دابق" و"رومية" اللتين تصدرهما "داعش".
وأضاف أن الدار تعمل كذلك على تدريب الأئمة والمفتين من مختلف دول العالم على مواجهة الفكر المتطرف، حيث نفذت الدار ما يزيد عن ٤ برامج للتدريب داخل مصر وخارجها، من أجل نشر قيم الإفتاء المنضبط الذي يحقق مقاصد الشرع الشريف ويرسخ للأمن المجتمعي.
ولفت مستشار فضيلة المفتي إلى أن دار الإفتاء المصرية أنشأت كذلك كيانًا عالميًّا هو "الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم" كمظلة جامعة للمؤسسات الإفتائية في العالم؛ وجعلت من أهم أهدافها تكتيل هذه المؤسسات لبناء حائط صد ضد هذه الأفكار الهدامة؛ فاعتمدت المبدأ المؤسسي الجماعي وانضوى تحت لوائها أكثر من خمسين عضوًا ومؤسسة عاملة في مجال الإفتاء، فعقدت مؤتمراتها العالمية على مدار خمسة أعوام، وكان من أهم محاور ونتائج ومشروعات هذه المؤتمرات ما يتصل بمواجهة الأفكار المتطرفة.
وأضاف أن الدار والأمانة كذلك تسعيان إلى إقامة جسور التواصل بين العالم الإسلامي بمراكزه العلمية الوسطية الموثوق بها، وبين المراكز الإسلامية والجامعات في الخارج، واعترافًا منها بأهمية الدور الذي يلعبه الإعلام تواصلت دار الإفتاء مع وسائل الإعلام العالمية لتصحيح صورة الإسلام في الوعي العام العالمي، والدفع والتوجيه للرأي العام لتحقيق صالح الجاليات المسلمة كما في مسألة حظر الأذان على سبيل المثال.
واختتم نجم كلمته بأن الدار لم تأل جهدها في إرسال البعثات العلمية إلى الغرب لتدريس العلوم الشرعية وتعليم القيم الوسطية وتقديم صحيح الدين للجاليات المسلمة في الخارج، وعملت على محاصرة الشبهات التي تثار حول الإسلام هناك، وصوبت بشكل كبير الصورة السلبية الراسخة في الغرب عن ماهية الدين الإسلامي ووظيفته، بعد عقود من تشويه جماعات التطرف والإرهاب له.