رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يتلاعب الإخوان بجلال الموت


للموت رهبة ووقار، وأمام الموت لا يمكن إلا أن نتعظ، ومن لم يكن الموت له واعظًا فلا واعظ له، وسبحان الله الحى الذى لا يموت، ولا يمكن أن نتألى على الله فنقول إن الله لن يرحم فلانًا، فلا أحد غير الله يملك مفاتيح الجنة، ولا أحد غير الله يملك مفاتيح النار فيسوق إليها من نكرهه، فالأمر بيد الله وحده سبحانه مالك الملكوت.
لكن انظر كيف تعامل الإخوان عبر تاريخهم مع الموت وجلاله، فعند موت العالم المصرى الكبير أحمد زويل ملأ الإخوان الميديا ووسائل التواصل بالسباب واللعن والوعيد له بالنار! قال هذا عزة الجرف ومحمد ناصر ووجدى غنيم وآلاف منهم فى فيسبوك وتويتر، وعند وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود خادم الحرمين شمت فى وفاته جمال حشمت ويحيى حامد وهما مَنْ هما فى الإخوان، وكانت جرأة جمال حشمت على الله سبحانه مخيفة وهو يقول: «إن الله سيجمع الملك عبدالله ومن بكوا عليه أو نعوه مع الظالمين فى مستقر عدله»، وبذلك يكون جمال حشمت قد وصل له خبر من السماء أو وحى من عند الله سبحانه يخبره فيه على وجه الخصوص بأن الله سيضع الملك عبدالله ومن كان يحبه مع الظالمين فى النار! وإذا كنا نحن عباد الله نقول: لله الأمر من قبل ومن بعد! إلا أن حشمت يقول لنا: لحشمت الأمر من قبل ومن بعد! أهذا هو إسلامهم وتلك هى قلوبهم وطريقة تفكيرهم؟! ومن سوء خلقهم كانت شماتتهم المريضة فى وفاة الشاعر المصرى الكبير عبدالرحمن الأبنودى، حيث شنوا حملة على وسائل التواصل تُبشر الإخوان، وتنذر خصومهم بأن الأبنودى فى النار جزاء لوقوفه مع «الانقلاب»! وبذلك يجب أن يخشى كل من خرج ثائرًا ضد الإخوان فى ثورة الثلاثين من يونيو العظيمة أنه سيدخل إلى النار، لأنه أراد تغيير الحاكم «الشرعى» بغير الصندوق! ويبدو أن الصندوق سيأتى شاهدًا على الشعب كله، فهل هذا الذى يخدعون به عقول أتباعهم دين؟! ألا يرعوى هؤلاء! ثم شمتوا بوقاحة عند نجاحهم فى قتل الشهيد هشام بركات، وكتبوا ما لا يعد ولا يحصى من السخافات التى لا يمكن أن تكون إسلامًا، ونفس الشىء فعلوه عند وفاة الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، والفنان ممدوح عبدالعليم الذى كتبت عنه المدعوة آيات عرابى: «مات العبد الفاجر ممدوح عبدالعليم المنافق الشامت الذى شمت فى اختطاف الرئيس مرسى وسخر منه وهو لا يملك الرد عليه، المدافع عن المخلوع، رفيق المجرمين، وطبال الخونة ولصوص الأوطان والقتلة».
ولو عدنا إلى التاريخ سنقرأ شماتتهم فى موت الزعيم جمال عبدالناصر، وكان من أسخف ما قالوه: «مات عبدالناصر وبقى الإخوان» وكأن الله كتب لهم الخلود، وكتب الموت على أعداء الإخوان وخصومهم ومخالفيهم ومنتقديهم! ثم حشدوا أكبر حملة فى التاريخ لتشويه هذا الزعيم الكبير، ولا يزالون، ويصل الأمر بهم وبقادتهم أنهم يقسمون أن عبدالناصر فى النار، ورغم أن الرئيس أنور السادات، رحمه الله، هو الذى أخرجهم من السجن، إلا أنهم قتلوه ثم شمتوا فى موته، وعندما كانوا فى الحكم وعند احتفالات السادس من أكتوبر أجلسوا فى الصفوف الأولى فى الاستاد قتلة السادات ليرسلوا رسالة للعالم بأنهم لا يحتفلون بنصر أكتوبر ولكنهم يحتفلون بقتلهم السادات، وإذا قرأنا ما كتبوه عن المستشار الخازندار الذى قتلوه سنعرف كيف هى الخسة ودناءة النفوس، فقد قاموا بتزوير التاريخ وتزييف الحقائق، والكذب على الناس، فاتهموه بالعمالة للإنجليز والظلم فى أحكامه القضائية! وكان هذا هو مبررهم فى قتله ثم مبررهم فى الشماتة فى موته، رغم أن كل ما قالوه هو البهتان نفسه، فالخازندار، عليه رحمة الله، كان من رجال مصر الوطنيين الأشراف ولم تكن له أى علاقة من قريب أو بعيد بالإنجليز، فلم يكن وزيرًا ولا سياسيًا ولكنه كان قاضيًا لا يعرف إلا القانون والحق والعدل.
ولكنهم عندما يموتون فهم الأنبياء والملائكة والشهداء، أهل الجنة، رفقاء الحور العين! لذلك فحسن البنا عندهم هو سيد الشهداء، ولكى ينال عند الجهلاء مكانة كبيرة يسهل من خلالها تغريرهم بها نسجوا الأساطير حول موته، فمن ناحية قالوا إنه هو الذى بادر بقوة شكيمة بالاتصال بالإسعاف لتأتى له لإنقاذه، وكأن زوج أخته الذى كان يرافقه وقتها كان عبارة عن «كيس جوافة» يقف بجوار البنا وهو يَجْرِى على هاتف ليتصل بالإسعاف، وعبدالكريم زوج الأخت أو «كيس الجوافة» يقول له: ها يا خويا ردوا عليك ولا لسه؟! والبنا يقف شامخًا يضع يده على موضع إصابته! ولكى يكتمل التغرير يجب أن يوجه الإخوان كراهيتهم لأحد، لذلك جاءت أسطورة من أساطير ألف ليلة وليلة، وهى أن الإسعاف تأخرت، ثم جاءت ونقلت البنا لمستشفى قصر العينى، ثم تركوه ينزف فى المستشفى ليموت دون أن يعالجوه، ثم «وِسْعت معاهم» وقالوا إن الملك فاروق جاء بذات نفسه إلى المستشفى ليتأكد من موت البنا وظل واقفًا عليه إلى أن تأكد من موته ثم انصرف، وكأن الملك إن أراد ذلك ليست عنده أكياس جوافة كأكياسهم يستطيع أن يرسلها للمستشفى وتكون معه لحظة بلحظة إلى أن يموت الرجل؟! ومع ذلك فقد وجد ذلك الهراء عقولًا إخوانية وغير إخوانية تصدقه، ثم أصبح البنا شهيدًا وكأنهم أخذوا موثقًا من الله بذلك، وتمر الأعوام ويكتب الشيخ الخطيب، أحد قيادات الإخوان عنوانه «حسن البنا رضى الله عنه» وكأن الخطيب كانت معه دفاتر خلق الله الذين رضى الله عنهم!.
ثم جاءت أغرب الأساطير عند إعدام سيد قطب، الذى كتب قبل إعدامه يعترف بتخطيطه لقتل عبدالناصر وقلب نظام الحكم، وكتب هذا الاعتراف للإخوان كى ينشروه بعد موته تحت عنوان «لماذا أعدمونى؟» فنشره الإخوان بأنفسهم فى أواخر السبعينيات، ولكنهم مع ذلك وضعوا حبكة درامية لإعدامه كى يجعلوه «شهيدًا شهيدًا شهيدًا»! فتلك هى المناصب الأخروية التى احترفوا توزيعها على موتاهم وكأنها نياشين وأوسمة. فيقولون مثلًا: إن قضية سيد قطب ملفقة وإنه لم يحدث قط أن أنشأ قطب تنظيمًا بهذا المعنى! ثم يقولون إن رئيس المحكمة التى كانت تحاكم قطب قال له: أريد أن أعرف الحقيقة، فكشف قطب عن ظهره وأراه آثار التعذيب وقال له: هذه هى الحقيقة، ويسترسل واضعو الأساطير بأن مدير السجن قبل إعدام قطب قال له: اكتب اعتذارًا لعبدالناصر حتى يعفو عنك، فقال قطب: إن السبابة التى توحد الله فى الصلاة لا يمكن أن تكتب اعتذارًا لعبدالناصر. أما الحقيقة فهى أنه لم يحدث شىء من هذا على الإطلاق، فسيد قطب لم يقع عليه أى تعذيب، فقد قضى فترات العقاب قبل إعدامه فى مستشفى السجن، والإخوان هم الذين يقولون ذلك، ويتحدثون عن الفترة الأولى التى حبس فيها قطب، فقالوا فى كتبهم: «قضاها فى مستشفى السجن وأرسل له فى هذا المستشفى حسن الهضيبى يسأله عن تكفيره الناس فأنكر أنه كفّر أحدًا» ثم إن أحدًا لم يقل لنا: من أين عرف الإخوان أن مدير السجن طلب منه أن يكتب اعتذارًا لعبدالناصر قبل إعدامه؟ هل أخبرهم بهذا مدير السجن.. أم أن سيد قطب قام من موته وأخبر الإخوان بما حدث؟! ولأن هذه المعضلة وقفت أمام الإخوان فقد حاولوا إخفاء تلفيقها، فقالوا: كان واحدًا من الجند يحرس زنزانة قطب الذى هو فى مستشفى السجن من الأصل، وكان يظن- وفق ما قيل له- أن قطب هذا من اليهود، فرآه يقوم الليل ويقرأ القرآن، ويتعرض من أجل ذلك لتعذيب بشع فى مستشفى السجن، وتصادف أن كان هذا الجندى هو الذى اقتاد قطب لغرفة الإعدام، فرأى وقال وقص علينا ما حدث من مسألة السبابة التى توحد، والاعتذار المرفوض، والشيخ الذى قال له قطب: وهل أتى بى إلى هنا إلا لا إله إلا الله، هذا والله شىء عظيم، ولكن من هو هذا الجندى؟ ما اسمه وأين كتب اعترافه هذا؟، فلن تجد جوابًا لهذا.