رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين اعتذار السلفيين وخلافات الإخوان


يبدو أن الأيام القريبة سوف تشهد انشقاقات وانقسامات بين قيادات الجماعة السلفية وأتباعهم، وأيضًا بين قيادات جماعة الإخوان الإرهابية وعناصرها المغيبة، وإن اختلفت الأسباب ما بين هؤلاء وأولئك، ولكن النتيجة أنه قد توّلد لدى الأتباع والعناصر الشك والتخبط فى قناعاتهم بمصداقية شيوخ السلفية وقيادات الإخوان، وهو الأمر الذى قد يترتب عليه- أو يجب أن يترتب عليه- أن يستفيق الجميع من غيابات الكذب والتضليل والخداع المستتر باسم الدين، للسيطرة على عقول الشباب وتوجيههم لما يحقق مصالح وأطماع قياداتهم.
بالأمس القريب فوجئ شباب السلفيين بتصريحات لكل من القيادى السلفى أبوإسحق الحوينى، وقبله محمد حسان، يعربان فيها عن ندمهما واعتذارهما عن العديد من الأخطاء العلمية والفتاوى التى أطلقاها خلال مشوارهما فى الدعوة السلفية، فها هو الحوينى يقول إنه كان يعتقد أن كل سُنة واجبة، ولم يكن يفرق بين الواجب والمستحب، وإن هناك درجات فى الأحكام كان يجب أن يتدرج بها، ولم يحدث ذلك، مما ترتب عليه تشتت أفكار وعقول بعض أتباعه من الشباب، بل إنها كانت أحد المحاور الرئيسية التى تستند إليها الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة لهؤلاء الدعاة السلفيين، وقد ورد فى اعترافات الإرهابى عادل حبارة، الذى شارك فى قتل العديد من جنودنا البواسل، أنه كان دائم الاستماع لخطب ودروس الحوينى ومحمد حسان، مما يشير إلى أن ما كانا يفتيان به يمثل إحدى بذور التطرف التى تربى وتأسس عليها. وها هو السلفى محمد حسان يقول نصًا «أقر وأعترف بأننا كدعاة إلى الله تبارك وتعالى طيلة السنوات الماضية، وقع منا بعض الأخطاء فى الخطاب الدعوى، وأسمعنا الناس بعض الكلمات التى لا يليق أبدًا أن تكون مرتبطة بمنهج السماحة والإنسانية والرحمة الذى كان يتمتع به رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم». ولكن هل محت تلك الاعترافات والاعتذارات ما ترتب عليها من تضليل لشبابنا، وأدت بهم إلى طريق التشدد والتطرف، بل إلى انضمامهم للتنظيمات الإرهابية؟ كان التحريم والتكفير المطلق هما الأصل، مثل تحريم الدراسة بكليات الحقوق، لأنها تدرس قوانين وضعية من صنع البشر ولا تكترث بالقوانين الإلهية، وكذلك تحريم الاختلاط فى الجامعات ووجوب ارتداء المرأة المسلمة النقاب، وتحريم عمل المرأة وتهنئة الإخوة الأقباط بأعيادهم، وغيرها من الفتاوى والبدع، التى أدت إلى هدم النسيج الداخلى للمجتمعات، وتحريم التعايش بين مختلف أطيافه، كى تعيش البلاد فى تخلف مستمر، ويومًا بعد يوم تتكشف لنا حقيقة هؤلاء الدعاة الذين أضلوا أعدادًا كبيرة من الشباب، ودفعوا بهم إلى أتون التطرف والإرهاب. لقد قام بعض الدول الإسلامية، ومن بينها المملكة العربية السعودية، بعدما شعرت بخطورة الفكر السلفى، بإبعاد الداعين إليه من مناطق نفوذهم، وتبرأت من أفكارهم الخبيثة، بل إنها أودعت المتشددين منهم السجون، واتخذت حيالهم الإجراءات القانونية نظير ما قاموا به من إشاعة الجهل والإرهاب والتطرف.
ومن هنا فإننى أناشد البرلمان المصرى أن يحمى مجتمعنا الجديد، بوضع تشريعات وقوانين حاسمة لتلك الخروقات الفكرية المتطرفة، التى تؤثر على عقول الشباب، وتدفعهم للقيام بأعمال إرهابية وتكفيرية ضد الأبرياء من أبناء الوطن، وكذلك يجب أن تضع الحكومة خطة عمل متكاملة لتحجيم نشاط هؤلاء القيادات المتشددين الذين اعترفوا بذنبهم وأقروا بندمهم، ومواجهة أفكارهم التى زرعوها فى عقول الشباب من خلال إعلام حقيقى وثقافة واعية وتنوير دينى وأدبى واجتماعى لإيقاظ الغافلين منهم، وحمايتهم من تلك الفتاوى والأفكار الرجعية الهدامة، والتى لا تتلاقى إطلاقًا مع صحيح الدين الإسلامى الوسطى الحنيف.
على صعيد آخر، فإننا نتابع جميعًا هذه الأيام تلك الخلافات الدائرة بين قيادات الإخوان الموجودين خارج البلاد، سواء فيما بينهم أو بين عناصرهم الشبابية المتواجدة فى مصر، نتيجة الصراعات والإخفاقات التى يتعرضون لها، لدرجة أنهم بدأوا يشكلون عبئًا على الدول التى تؤويهم، التى بدأت بالفعل فى إعادة النظر فى الحماية التى تحققها لهم تلك الدول، والتسهيلات التى تقدمها لهم الدول الأخرى.
وفى الوقت ذاته، كانت القنوات الفضائية التى يتم بثها من تركيا وقطر قد شهدت تراشقًا واتهامات متبادلة بين مالكيها، سعيًا للاستئثار بالقدر الأكبر من الدعم المالى الذى تحصلت عليه تلك القنوات من هاتين الدولتين.
وكانت أولى بوادر تلك الخلافات قد ظهرت عندما أطلق أحد شباب الإخوان الهاربين فى تركيا «هاشتاج» على صفحات التواصل، مع المجموعات الشبابية للجماعة فى الداخل والخارج، يقول فيه: «إذا كان الوضع مطولًا لا بد من حل للسجناء الذين لا يجدون من يسأل عنهم أو يساندهم أو حتى يراعى عائلاتهم، وكذلك حل للمتواجدين فى بلاد الغربة، الذين لا يجدون عملًا أو حتى أن يأكلوا لدرجة أن البعض منهم بدأ يفكر فى الانتحار. لا بد من إيجاد حل لمن انتهت صلاحية جوازات سفرهم، حل للأطفال الذين لا يستطيع أهلهم تعليمهم، لا بد من حلول بعيدًا عن سبوبة المصالح التى يتمتع بها كبار الجماعة». وما إن انتشرت تلك الرسائل حتى قام قيادات الجماعة الإرهابية بمنع المعونات الشهرية عن أى أسرة يتمرد سجينها، وهو الأمر الذى أثار غضب الشباب على القادة، لدرجة أن العديد منهم طالبوا بإسقاط القادة الحاليين للجماعة والبحث عن قيادات جديدة، وأطلقوا مؤخرًا حملة فيما بينهم بعنوان «مطلوب كبير».
وهنا يجب أن نشير إلى أن نجاح السياسة العقابية التى تنتهجها الدولة، من خلال التواصل مع شباب الإخوان المحكوم عليهم فى السجون المصرية، والإفراج عن العديد منهم مؤخرًا، قد جعل العديد من أسرهم تطالبهم بوقف الحرب على الدولة وإعادة النظر فى أسلوب التعامل معها سياسيًا وفكريًا، وليس صداميًا ودمويًا، وهو الأمر الذى لاقى قبولًا ملموسًا لدى عناصر كثيرة من شبابهم، بعدما لمسوا هذا التطور الإيجابى فى أسلوب التعامل معهم وإعطائهم الفرصة لكى يعيدوا حساباتهم ويهتموا بمستقبلهم، بدلًا من اهتمامهم بتحقيق مصالح وأهداف قياداتهم الهاربة فى الخارج، وقد أدى ذلك إلى حدوث موجة خلافات وغضب كبير من قادة الجماعة الذين يتزعمهم حاليًا الإرهابى إبراهيم منير، نائب المرشد، وأمين التنظيم الدولى الهارب فى لندن، وتؤيده مجموعة أخرى من القدامى، على رأسهم محمود حسين، أمين عام الجماعة الهارب فى تركيا، وهؤلاء يشكلون مجموعة العنف والصدام ضد الدولة الرافضة لإجراء أى حوارات معها أو أى تقارب، حتى لو كان ذلك على حساب مستقبل شباب الجماعة. ثم وقعت صدامات أخرى بين محمود حسين وقناة «مكملين» الإخوانية، عندما انتقدت تلك القناة تصرفات قدامى الجماعة، خاصة فيما يتعلق بالندوات والاحتفالات التى يقيمها قيادات الجماعة، خاصة القيادى المذكور، الذى باتت الشبهات تحوم حوله خاصة فى النواحى المالية، وكذلك تجاهله مطالب الشباب، وهو الأمر الذى جعله يقوم بتوجيه الاتهامات بالعمالة والخيانة لبعض العاملين بتلك القناة، وهى التهمة الثابتة عند الإخوان فى مهاجمة أعضائها من ذوى الاعتراضات. ثم جاءت مرحلة أخرى من مراحل الخلاف بين قيادات الجماعة الهاربين فى كل من لندن وتركيا وجميعها ينحصر فى المطالبة بالمراجعة والمحاسبة المالية، حيث يطالب هؤلاء الموجودون فى لندن بضرورة عقد جمعية عمومية كل عام، يقدم فيها المسئولون كشف حساب عن الأعمال التى قاموا بها، بغرض تفعيل دور الجماعة وتأثيرها داخليًا وخارجيًا، حتى فيما يتعلق بالعمليات الإرهابية التى يقومون بتمويلها، وكذلك التنظيمات التكفيرية التى تتلقى دعمًا منها، إلا أن قيادات الجماعة فى تركيا، وعلى رأسهم أيضًا محمود حسين، يرفضون ذلك، من منطلق أن الثقة لا تتجزأ، فالحساب يوم الحساب فقط، وهو الأمر الذى رفضه العديد من شباب وكوادر الجماعة، الذين يرفضون تقديس القيادات، أيًا كان وضعهم التنظيمى فى الجماعة، خاصة أن جميع المؤشرات تؤكد أن هناك رغبات ومساعى تنافسية للاستحواذ على منابع ضخ المال، خاصة من الخارج.
خلافات الجماعة بدأت تطفو على سطح الحقائق، وتزداد يومًا بعد يوم، وهو ما سوف نرصده تباعًا بإذن الله.