رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل هى النهاية السعيدة للعراق حقًا؟


من رحم الكتل والتحالفات السياسية ولد اختيار توفيق علاوى لمنصب رئاسة الحكومة العراقية فيما وُصِف بأنه «اختيار البندقية»، تعبيرًا عن فرض الاختيار من الكتلتين اللتين توافقتا على ترشيحه، كتلة «الفتح»، برئاسة هادى العامرى، التى تجاهر بولائها لإيران ويحملها المتظاهرون مسئولية اغتيال واختطاف أعداد كبيرة من محتجى ساحات التظاهر فى مدن العراق، والكتلة الأخرى هى «سائرون» برئاسة رجل الدين مقتدى الصدر، صاحب الرصيد الأعلى من المواقف غير الثابتة منذ انطلاق موجات الاحتجاج فى أكتوبر الماضى.
الاختيار الذى سبق رفضه مرارًا من ساحات التظاهر المعبرة عن موقف الشارع، بعد عن احتواء الغضب الشعبى بحكم عدم تحقيقه أيًا من مطالب المحتجين، إذ سيواجه علاوى حقل ألغام، أولها عدم قدرته على حل البرلمان أو إقصاء الكتل الطائفية المسيطرة على قراراته، فهو ببساطة محسوب على هذه القوى. محاكمة المسئولين عن قتل وخطف وتعذيب المظاهرين أيضا ستكون من المحظورات على الحكومة الجديدة، نتيجة تداخل مصالح ونفوذ مرتكبى هذه الجرائم مع الكتل التى فرضت اختيار علاوى على رئيس الجمهورية برهم صالح، بالإضافة إلى احتياج الأول إلى الأغلبية التى تمثلها الكتل التى يطالب الشارع بإقصائها للموافقة على ترشيحه. قيود علاوى السياسية أيضًا لا تبشر بقدرته على تجاوز لغم الميليشيات المسلحة التى تجاهر بتبعيتها لولاية الفقيه فى إيران وسحب تسليحها المتنوع. الحقيقة المؤكدة أن جميع الألغام المحيطة بهذا الترشيح لا تستهدف شخص علاوى بقدر ما تحمله موروثًا حافلًا بالرفض والغضب تجاه الجهة التى دفعت به إلى هذا المنصب. على الجانب الآخر، يعتبر علاوى، وفق حسابات الشد والجذب الغالبة على المشهد السياسى العراقى، نقطة التقاء.. فهو لا يجسد أقصى توقعات ساحات التظاهر، ولا يعتبر نموذجًا للمعايير الإيرانية المتوقعة، إذ يعكس رضوخها لهذا الترشيح عن مخاوف إيران، نتيجة انقلاب الشارع العراقى بما يهدد سيطرتها على مقدراته. الاختيار أيضًا جاء كمحاولة تضع حدًا للضغوط والتجاذبات الهائلة التى مورست فى الأشهر الماضية على صالح، للاختيار بين الانحياز إما إلى مطالب الشارع أو إلى ضغوط كتل طائفية مرفوضة بكل ما تملكه من أدوات نافذة سياسيًا وأمنيًا. السيناريو البديل أمام فترة هذه الحكومة التى ينتظر ألا تستمر طويلًا، وتصاعد موجات الاحتجاج الشعبى، من شأنه استبعاد الحلول من داخل العراق. بعد غزو الكويت عام ١٩٩٠ تم إدراج العراق ضمن بنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذى يتناول بالتفصيل ما يتخذ من إجراءات دولية عند حالات تهديد السلم والإخلال به والاعتداء على الدول، فى عام ٢٠١٧ تم تخفيف بعض القيود المفروضة على العراق دون إخراجه كليًا من بنود هذا الفصل. تعثر المسارات الساعية إلى وضع حد لفوضى واقعه المضطرب سياسيًا وأمنيًا، قد يدفع بالمؤشرات نحو احتمالية عودة إدراج العراق تحت جميع بنود الفصل السابع التى تجيز فرض الوصاية الدولية على الدولة التى تهدد أوضاعها السلم وتفرض الخطر على دول العالم. الأسابيع الماضية شهدت مطالبات متكررة من متظاهرى الساحات العراقية تناشد المجتمع الدولى وقوات شمال حلف الأطلسى «ناتو» التدخل الفورى لحماية المتظاهرين بعد ارتفاع حجم الاغتيالات، والخطف واستخدام الرصاص الحى، بما يخالف كل الاتفاقيات الدولية وميثاق الأمم المتحدة، الأمر الذى يهدد بتدويل قضية العراق وعودته إلى الوصاية الدولية. الإدانة الحادة للقمع الممارس من الحكومة وعجزها عن محاسبة مرتكبى الجرائم ضد متظاهرين سلميين صدرت مؤخرًا من ١٦ دولة، ضمنها ٣ من الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن وأخرى فى الاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى تحركات كثيفة من جانب مفوضية الأمم المتحدة عبر ممثلتها فى العراق «جنين بلاسخارت» ولقاءاتها المتكررة وفود تمثل اللجان التنسيقية داخل ساحات التظاهر قامت خلالها بتسليم رسالة إلى الجمعية العمومية ومجلس الأمن بالأمم المتحدة تتضمن تفاصيل الانتهاكات التى طالت حراكًا سلميًا شارك فيه كل أطياف الشعب العراقى، مطالبين بتدخل حاسم من المنظمة لفرض حلول ترسيخ الاستقرار والسلم فى العراق. أمريكا بدورها ترصد التطورات، فالمؤكد أن طرح اسم توفيق علاوى كان حاضرًا خلال لقاء جمع بين الرئيس الأمريكى ترامب وصالح خلال مؤتمر دافوس الشهر الماضى. حرص واشنطن على مصالحها المتشعبة فى العراق كفيل ببقائها قريبًا من رسم المشهد السياسى القادم، تحديدًا فى اختيار شخص رئيس حكومة قادر على العمل مع أمريكا، فى إطار ما يضمن عدم المساس بهذه المصالح تحديدًا فى إطار التوتر الأمريكى - الإيرانى التى اختارت الأخيرة العراق مسرحًا لها.
عجز الحكومة العراقية لم يقتصر على الشق السياسى بعد فشلها أيضًا فى حماية الأمن داخليًا من المجازر التى ترتكبها ميليشيات مدعومة من إيران، بالإضافة إلى عجزها عن إيقاف الهجمات الصاروخية على المنطقة الخضراء التى تجمع سفارات مختلف دول العالم، تحديدًا على السفارة الأمريكية وقصف القواعد العسكرية.. فى ظل هذا التدهور الأمنى، لا تبدى واشنطن حماسًا لتحميل قواتها عبء الاستئثار بمهام فرض الاستقرار الأمنى فى العراق.. فى المقابل إعلان «ناتو» تعليق المهام التدريبية لقواته بعد مقتل قاسم سليمانى، دفع إلى ضرورة إعادة النظر فى دور قوات حلف شمال الأطلسى للاضطلاع بمهام أكبر بدلًا من تقليصها داخل إطار التدريب فقط كى يشمل تدخل قواتها لفرض حالة استقرار أمنى حتى وإن تم ذلك فى إطار مشاركة هذه القوات فى التحالف الدولى لمحاربة داعش الذى يضم عدة دول منها أمريكا والعراق. تحركات دفع هذا المسار بدت واضحة منذ أول العام خلال لقاءات جمعت بين وزيرى دفاع وخارجية أمريكا ووفود من حلف «ناتو» لمناقشة توسيع دور قواته تماشيًا مع رغبة ترامب فى تقسيم أعباء فرض استقرار أمنى فى العراق مع الدول الغربية.