رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المواجهات الأمنية بين الأمس واليوم


اليوم وقد انتهت الاحتفالات الرسمية بعيد الشرطة، التى شهدت تفاعلًا رسميًا وشعبيًا غير مسبوق، قد يكون مرجعه تلك الحالة الأمنية الهادئة والمستقرة التى تشهدها البلاد مؤخرًا، نتيجة تحجيم العمليات الإرهابية ودقة تصويب الضربات الاستباقية لأى محاولة تستهدف أمن وسلامة البلاد وترويع العباد.. ولعل الشاهد على ذلك بداية ناجحة لموسم سياحى يشهد تقاطرًا كبيرًا للسائحين الأجانب فى جميع المقاصد والمحافظات السياحية فى مصر.. وأيضًا قوة وثبات العملة المصرية أمام العملات الأجنبية بشكل واضح.. ويبقى أن نستثمر ذلك أيضًا فى جذب الاستثمارات الأجنبية والعربية للبلاد، خاصة على ضوء التوترات الأمنية والقلاقل الداخلية التى يشهدها بعض الدول الإقليمية والعربية الذى كان مقصدًا للمستثمرين بها.
من خلال رؤية سريعة حول طبيعة المواجهات الأمنية التى تقوم بها أجهزة الشرطة المصرية، نجد أن هناك تباينًا واضحًا فى أساليب وطرق التعامل معها، حيث بدأت تلك المواجهة فى مثل هذه الأيام من عام ١٩٥٢ عندما تحركت قوات الاحتلال البريطانى إلى شوارع مدينة الإسماعيلية، لكبح جماح الغضب المتصاعد ضد هذه القوات، وكانت قوات الشرطة المصرية هناك تساند وتدعم جهود الفدائيين الرافضين الاحتلال، حيث رفضوا تسليم أسلحتهم إلى القوات البريطانية، وإخلاء مواقعهم فى محافظة الإسماعيلية وقسم الشرطة هناك عندما أرسل قائد تلك القوات إنذارًا إلى اللواء أحمد رائف، قائد قوات الشرطة، الذى رفض هذا الإنذار وقام بمراجعة فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية آنذاك، الذى أيده فى رفض الإنذار وارتفعت صيحات التكبير بين قوات الشرطة المصرية، استعدادًا لمواجهة القوات البريطانية التى بلغ عددها ٧ آلاف ضابط وجندى، فى حين لم تتجاوز أعداد رجال الشرطة المصرية ٨٥٠ ضابطًا وجنديًا وتصدى رجالنا بكل بسالة وعزم على النصر أو الشهادة، وسقط من بينهم ٥٠ شهيدًا و٨٠ جريحًا، فى حين نجحوا بأسلحتهم البسيطة فى قتل ١٣ بريطانيًا وإصابة ١٢ آخرين ودخلت القوات البريطانية مبانى الشرطة المصرية ومحافظة الإسماعيلية على جثث الجرحى والمصابين، وهو ما دعا الجنرال البريطانى قائد القوات البريطانية المعتدية البريجادير إكسهام إلى أداء التحية العسكرية لمن تبقى من قوات الشرطة اعتزازًا بصمودهم البطولى وإصرارهم على القتال حتى آخر لحظة.. وكانت تلك المعركة بداية انتفاضة أبناء الشعب المصرى، حيث لم تكد تمضى ستة أشهر حتى انطلقت ثورة ١٩٥٢ التى عبرت عن رغبة جموع المصريين فى الحرية والاستقلال وطرد القوات البريطانية من البلاد إلى غير رجعة.
تلك هى عقيدة الشرطة المصرية التى لم تتغير مثلها مثل القوات المسلحة، فلا استسلام ولا تهاون فى حق مصر والمصريين، إما بالنصر أو بالشهادة.. ومنذ هذا التاريخ أيقن العالم أن كرامة الجندى المصرى أشرف عنده من حياته، الأمر الذى جعلنا نفخر ونفاخر بآبائنا وأجدادنا الذين ضحوا بأرواحهم ثمنًا للعزة والكرامة.. تلك هى البداية التى نذكرها دائمًا عند احتفالنا بعيد الشرطة.. ولكن عندما ننظر إلى ما سبق وما نحن فيه اليوم، نجد أن هناك فارقًا كبيرًا بين الأمس واليوم. فبالأمس دار قتال بين قوتين ظاهرتين كل منهما للأخرى حتى ولو كانت الكفة غير متكافئة.. أما اليوم فإننا نواجه عدوًا جبانًا خسيسًا يختبئ فى الجحور والكهوف ويتوارى بين المواطنين الأبرياء ويفتدى نفسه بالنساء والأطفال.. يضع العبوات الناسفة فى الكنائس والمساجد والمدارس.. يطلق النيران بعشوائية فى كل الاتجاهات غير عابئ بمن سوف يموت أو يصاب.. يضع حول جسده أحزمة ناسفة ويتحرك بها فى الميادين المزدحمة ليفجر نفسه بها إذا حاولنا القبض عليه أو الاقتراب منه.. وعلى صعيد آخر فهناك أعداء آخرون يبثون سمومهم فى عقول شبابنا لتجنيدهم وتأليبهم ضد وطنهم من خلال المظاهرات والاعتصامات ونشر الفوضى والخراب.. وآخرون يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعى لنشر الشائعات المغرضة التى تستهدف التشكيك فى أى إنجاز يتحقق على أرض الواقع.. وأيضًا لزرع الفتنة والوقيعة بين أبناء الوطن الواحد.. ثم هؤلاء المأجورون الذين ينبحون بأصواتهم الكريهة من خلال تلك القنوات الفضائية التى تشرف عليها وتمولها تلك القوى والدول والأجهزة التى تسعى إلى إسقاط البلاد وإعادتها مرة أخرى إلى غياهب الجهل والظلام.. هؤلاء هم أعداؤنا حاليًا. وبالرغم من كل ذلك يأبى رجال الشرطة فى بلادى أن تأتى هذه المناسبة الوطنية العظيمة إلا وقد أهدوا إلينا العديد من الإنجازات والنجاحات فى أقل من أسبوع واحد، حيث تم إسقاط شبكة إرهابية، تابعة لجناح حركة حسم، الذراع العسكرية لجماعة الإخوان الإرهابية، كانت تسعى لإثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار فى البلاد من خلال لجان إعلامية تابعة للتنظيم الإرهابى، وكذلك ضبط العديد من الأجهزة والمعدات والأسلحة وأجهزة كمبيوتر وهواتف مؤمنة للتواصل مع القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية المختلفة، لاستقطاب العناصر التى من الممكن أن تتأثر بتلك الدعوات وضمهم لمجموعات سرية لاستخدامهم فى أعمال الشغب والتخريب وتنظيم التظاهرات وتعطيل حركة المواصلات.. وقبل ذلك بعدة أيام أيضًا تم ضبط فرع لوكالة أنباء تركية تعمل دون ترخيص، وتقوم بنقل أخبار مغلوطة عن الأوضاع فى البلاد لعرضها فى تلك القنوات المسمومة الفاشلة المأجورة التى تبث من تركيا وقطر.
ولا يفوتنى أن أشير هنا إلى بطولة أخرى من بطولات رجال الشرطة الأوفياء عندما تصدوا لمخطط جماعة الإخوان الإرهابية لاختراق جهاز الشرطة، ومحاولة إنشاء شرطة موازية تشبه فى تكوينها الحرس الثورى الإيرانى الذى حضر قائده قاسم سليمانى إبان حكم جماعة الإخوان لوضع الخطة اللازمة لذلك، إلا أن رجال وشباب الشرطة فطنوا لهذا المخطط وأفشلوه فى مهده، وتلك بطولة يجب دائمًا أن نشير إليها، حيث إن نجاحه آنذاك يعنى ألا نصل لما نحن عليه اليوم من أمن وأمان واستقرار. إنها أجيال تسلم الراية لأجيال.. وبطولات تعقبها بطولات وتضحيات لا تتوقف وإن اختلفت الوسائل والأساليب التى تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار البلاد ما بين الأمس واليوم.. ولكن اليقين لا يتغير والكرامة لا تتأثر، والعطاء لا يتوقف. فنحن أبطال أبناء أبطال أحفاد أبطال.