رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لأنها لم تعرف أين تقع أوكرانيا!



موضوع الحوار، المتفق عليه، كان يتعلق بالعلاقات الأمريكية الإيرانية. لكن مارى لويز كيلى، مراسلة إذاعة «إن بى آر» الرسمية الأمريكية، حاولت التطرق إلى أوكرانيا، وغالبًا كانت تراهن على انتزاع تصريح من مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى، بشأن المحاكمة التى يجريها مجلس الشيوخ، الآن، لعزل الرئيس، غير أن بومبيو، بحسب قولها، استشاط غضبًا وأنهى الحوار، ثم وجه لها إهانات بالغة!.
سألته: «هل أنتم مدينون باعتذار للسفيرة مارى يوفانوفيتش؟». فأجاب بأنه «دافع عن كل مسئول فى وزارة الخارجية»، ولما سألته متى دافع علنًا عن السفيرة، أنهى الحديث بقوله: «قلت كل ما لدى للقول اليوم. شكرًا». وطبقا لما ذكرته «كيلى» فى برنامجها فقد «انحنى ونظر إلىّ نظرة غضب» قبل مغادرة المكان. وبعدها، طلبت منها مساعدة للوزير أن تتبعها إلى قاعة أخرى، لكن دون جهاز التسجيل. وهناك وجدت بومبيو فى انتظارها، وظل يصرخ فى وجها لنحو عشر دقائق، ثم سألها: «هل تعتقدين أن الأمريكيين يهتمّون بأوكرانيا؟». وطلب من مساعديه أن يحضروا خريطة العالم، دون أسماء الدول، وطلب منها أن تشير إلى موقع أوكرانيا.
مارى يوفانوفيتش، السفيرة الأمريكية السابقة فى أوكرانيا، هى إحدى الشخصيات الرئيسة فى محاكمة عزل الرئيس، الذى يواجه اتهامات بأنه حاول الضغط على أوكرانيا لفتح تحقيقات فى اتهامات بالفساد ضد ابن جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطى المحتمل فى انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة. وكانت يوفانوفيتش قد أدلت بشهادتها أمام لجنة المخابرات بمجلس النواب ضمن التحقيقات الهادفة إلى عزل ترامب، وقالت إنها أقيلت من منصبها بسبب مزاعم زائفة من أشخاص دوافعهم محل شك. وطبقًا لما جاء فى الشهادة، التى نشرتها اللجنة، فقد قالت إنها عندما طلبت النصيحة من جوردون سوندلاند، السفير الأمريكى لدى الاتحاد الأوروبى، الذى وصفته بأنه أبرز المتبرعين لحملة ترامب، فنصحها بأن تكتب بعض التغريدات تمتدح فيها الرئيس ترامب فى حسابها على تويتر. لكنها أكدت أنها لم تستطع الاستجابة لتلك النصيحة.
بومبيو، متّهم بأنه لم يدافع عن يوفانوفيتش، التى أُقيلت، فى مايو الماضى، بعد حملة قادها رودى جوليانى، المحامى الشخصى لترامب. وأواخر نوفمبر الماضى، هاجمها الرئيس الأمريكى فى حوار مع شبكة فوكس نيوز، وقال إنها رفضت تعليق صورته فى السفارة. كما كتب فى حسابه على تويتر أنها «تنشر الخراب أينما حلّت. كانت فى الصومال، ماذا حدث هناك؟ وتحدّث عنها الرئيس الأوكرانى الجديد بسلبيّة. من حق الرئيس الأمريكى تعيين السفراء الذين يخدمون إدارته». ومن محاسن الصدف أن تنشر وسائل إعلام أمريكية، السبت، مقطع فيديو يوضح أن ترامب أمر بإقالة السفيرة بعد أن تم إبلاغه بأنها تحدثت عنه باستخفاف. مع أن الفيديو تم تسجيله خلال حفل عشاء أقيم، فى أبريل ٢٠١٨، بينما صدر قرار الإقالة، كما أشرنا، فى مايو الماضى، أى بعد ١٣ شهرًا!.
المهم، هو أن مذيعة «إن بى آر» الرسمية الأمريكية، اتهمت مايك بومبيو، الجمعة، بأنه سبها واستخدم مرارًا كلمة نابية. ورد بومبيو فى بيان أصدره، السبت، بأن كيلى كذبت عليه مرتين، الأولى عند التجهيز للمقابلة، والثانية عند الاتفاق على إجراء حوار بعد المقابلة ليس للنشر. وجاء فى البيان: «أمر مخزٍ أن تختار هذه المراسلة خرق القواعد الأساسية للصحافة واللياقة. هذا مثال آخر يوضح كيف أن الصحافة أصبحت غير متوازنة فى سعيها لإيذاء الرئيس ترامب وإدارته». ثم أشار بومبيو إلى أنه «ليس غريبًا ألا يثق الشعب الأمريكى فى كثير من وسائل الإعلام عندما تُظهر بشكل مستمر أجندتها وعدم أمانتها». وبينما أكدت «كيلى» أنها وضعت إصبعها على موقع أوكرانيا على الخريطة، ذكر بيان بومبيو أنها لم تتمكن من ذلك، بل أشارت إلى بنجلاديش!.
السيرة الذاتية لمارى لويز كيلى، Mary Louise Kelly، تقول إنها مولودة فى ٢٧ مارس ١٩٧١، خريجة جامعة «هارفارد» الأمريكية، إحدى أعرق الجامعات فى العالم، وحاصلة على درجة الماجستير فى الدراسات الأوروبية من جامعة كامبريدج البريطانية. فهل يكون مقبولًا أو معقولًا ألا تتمكن من تحديد موقع أوكرانيا على الخريطة؟!.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكى، لم يتوقف، قبل وبعد دخوله البيت الأبيض، عن الهجوم على وسائل الإعلام، التى نتفق معه فى وصف بعضها بأنها «كاذبة وغير نزيهة». ولم يقتصر ذلك الهجوم على الأقوال، أو فى حسابه على «تويتر»، بل كانت هناك بعض الأفعال، أبرزها قيامه بمنع وسائل إعلام، من حضور المؤتمرات الصحفية اليومية للبيت الأبيض. ولو رأيت أن تلك الأقوال، الكتابات، أو الأفعال، غير مقبولة، فلن نختلف. فقط، سنلفت نظرك إلى أن غالبية تلك الوسائل، أو الأدوات، كان لنا من أكاذيبها نصيب.