رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لمن نكتب الدستور«2»


كنت قد وعدت قرائى الأعزاء بالكتابة فى صميم المواد الدستورية شبه النهائية على وعد بأننا سنتمكن من إنجاز معظم المواد قبيل عيد الأضحى كمسودة أولى، ويمكن التفكير والمراجعة خلال هذا الأسبوع إلا أنه لم نتمكن حتى يوم الأحد 13 أكتوبر من الانتهاء من أى من أبواب الدستور فى صيغته الأولى، وكان لابد من التقاط الأنفاس وتبادل التهنئة بعيد الأضحى أو ذكرى التضحية بأغلى طاعة لله وثقة فى مواعيده الأمينة.

ومع أن لجنتى المقومات، والحقوق والحريات، قد أنهتا عملهما وأرسلتا المواد إلى لجنة الصياغة لضبط اللغة العربية واللغة القانونية، ولا ننكر أن لجنة الصياغة تعمل طويلاً حتى فى وقت عطلة باقى اللجان ومع ذلك فما زلنا فى انتظار المسودة الأولى.

ومع قناعتى بضرورة مصارحة الشعب بكل ما يجرى داخل اللجان، فالشعب هو صاحب الحق الأصيل، وما نحن إلا وكلاء عنه، وغاية الجهد والعمل هو تحقيق أهم أهداف الشعب وانتصاراته فى دستور يجىء بعد ثورتين.

وفى رأينا فإن المعوقات التى تؤخر الإنتاج تتلخص فى اختلاف وجهات النظر حول بعض المواد، واختلاف الرأى لا يفسد للدستور مواده لاسيما إذا ما اتفق الخمسون على أننا لا نوزع التركة، فالدستور ليس تركة تركت لخمسين من الورثة يحاولون اقتسامها ولو قسمة «غرماء».

وفى محاولة لجمع المزيد من الدساتير المختلفة وبمساعدة واحد من أهم أساتذة الدساتير فى أمريكا، مع أنه قضى معظم دراسته ودرجاته فى استراليا، إلا أنه واحد من أساتذة الدستور بالولايات المتحدة، وبمعاونة من إحدى الصديقات التى درست القانون الأمريكى مع ذلك العالم والعلامة استطعنا أن نجرى حديثاً مطولاً ليلاً استغرق أكثر من ساعة عبر التليفون تناولنا فيه العديد من الأفكار وأنماط الدساتير، وقد أعلن سيادته أنه على استعداد للمشاركة بالرأى كما فعل مع دول عربية أخرى طلبت منه المساعدة ومنها دولة الأردن وله مؤلفاته الدستورية.

ومع أن الدستور الأمريكى يتكون من سبع مواد فقط، ولكن كل مادة تتكون من العديد من الفقرات، فالمادة الأولى من عشر فقرات، والثانية من أربع فقرات والثالثة من ثلاث فقرات والرابعة من أربع فقرات، وأما الثلاث مواد الأخيرة فهى قصيرة ومن جزء واحد.

وقد كتب هذا الدستور وصدق عليه فى نحو ثلاث سنوات، إذ كتبت مقدمته فى عام 1787 وصدق عليه فى 1788 ولم يعمل به إلا فى عام 1789 ومنذ الإقرار بالدستور حتى يومنا أجرى عليه 26 تعديلاً.

فتبدأ مقدمة الدستور بالقول «نحن شعب الولايات المتحدة رغبة منا فى وحدة كل الولايات وفى إقامة العدالة وضمان الاستقرار الداخلى وتوفير سبل الدفاع المشترك وتعزيز الخير العام وتأمين نعم الحرية لنا ولأجيالنا القادمة نضع هذا الدستور للولايات المتحدة الأمريكية».

ثم تتوالى الفقرات التى تشرح السلطات المخول إليها التشريع، والتى تلتزم باحترام الدستور عند إصدار أى من القوانين التشريعية، ويبين الدستور فى فقرته الأولى أن البرلمان الأمريكى مكون من غرفتين «مجلس الشيوخ» و«مجلس النواب»، فالسن المحددة للنائب لا تقل عن خمسة وعشرين عاماً ولابد أن يكون من مواطنى الولاية وبالطبع يقيم فيها، ويشترط فى الناخب وبالطبع المرشح أن يكون من العاملين فى الولاية لعدد من السنين، أى من دافعى الضرائب باستثناء الهنود الذين لا تفرض عليهم ضرائب ويجرى التعداد كل ثلاث سنوات بعد انعقاد أول مجلس، وبعد ذلك كل عشر سنوات لاحقة بحيث لا يزيد عدد النواب على نائب واحد لكل ثلاثين ألف نسمة مع وجوب نائب واحد على الأقل لكل ولاية، وعند خلو مقعد أحد الأعضاء فإن الولاية تجرى انتخاباً للبديل ولمجلس النواب وحده سلطة توجيه الاتهام النيابى.

أما مجلس الشيوخ فتمثل فيه الولاية باثنين دون النظر إلى حجم الولاية ومدة عضوية المجلس ست سنوات يسقط الثلث كل سنتين وفى حالة خلو مقعد لعضو قبل نهاية ولايته يعين المجلس التشريعى بديلاً مؤقتاً، ويحدد الدستور سن عضو مجلس الشيوخ بثلاثين عاماً ميلادية ومضت عليه تسع سنوات كمواطن بالولايات المتحدة أى أن النظام الأمريكى يقبل نواباً وشيوخاً ممن لهم جنسيات أخرى فقط الشرط هو مرور تسع سنوات على اكتسابه الجنسية الأمريكية، ولمجلس الشيوخ وحده سلطة إجراء المحاكمة فى جميع قضايا الاتهام النيابى.

وعلى العضو أن يقسم أو يقر قبل إجراء المحاكمات ولا تتعدى نتيجة المحاكمة عقوبة العزل من المنصب ولا تلغى المحاكمة النيابية تطبيق الأحكام من المحاكم العادية إذا كانت التهم تصل إلى العقوبات الأخرى، والنظام الأمريكى يقتضى بوجود هيئة تشريعية فى كل ولاية يناط بها إجراء الانتخابات على كل المستويات مع ملاحظة أن القسم يعادله الإقرار وذلك بالنسبة لعقائد بعض الأمريكيين التى تضع الإقرار مساوياً للقسم احتراماً لعقيدة من لا تسمح عقيدتهم الدينية بالقسم، وليتنا نراعى ذلك فى دستورنا.

وقضت الفقرة السادسة من المادة الأولى بما يلى: يتقاضى الشيوخ والنواب لقاء خدماتهم بدلاً يحدده القانون ويدفع من خزانة الولايات المتحدة، ولهم أن يتمتعوا بامتياز عدم اعتقالهم أثناء حضورهم الجلسات أو فى ذهابهم إلى المجلس وعودتهم منه ما لم تكن التهم هى الخيانة أو الجناية أو الإخلال بالأمن ولا يسأل العضو عما يقال داخل الجلسات وأثناء المناقشات وهذه هى ضمانات الحصانة وحدودها فهى ليست مطلقة.

ولا يجوز للشيخ أو النائب أن يعين خلال مدة نيابته فى أى منصب مدنى خاضع لسلطة الولايات المتحدة أو تكون تعويضاته قد زيدت خلال فترة نيابته وذلك ضماناً للحيدة والاستقلالية.

كل مشروع قانون لابد أن ينال موافقة مجلس النواب ومجلس الشيخ ثم يقدم إلى رئيس الولايات المتحدة فإذا وافق عليه وقعه، وإذا لم يوافق عليه يعيده مقروناً باعتراضاته ثم تعاد الدراسة وإذا أصر المجلس على القانون يرسل إلى المجلس الآخر فإذا حصل على ثلثى المجلس الآخر يصبح قانوناً، وفى جميع الأحوال تسجل أسماء الموافقين والمعارضين، وكل أمر أو قرار أو تصويت يستلزم موافقة مجلس الشيوخ ومجلس النواب.

ومن الجدير بالذكر، أن الدستور يحدد اختصاصات المجلسين وهذا ما نتعرض له فى مقال آخر آملين أن تراعى لجاننا ما يحدث فى دول سبقت العالم فى مجال الحقوق والحريات مع إمكانية مراجعة بعض دساتير دول أخرى قريبة منا أو بعيدة جغرافياً ولكن الهدف والمقصد قريب بل ومشترك.. فإلى اللقاء