رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القصاص العادل لطبيبات المنيا


إننا فى حاجة إلى إرساء مبدأ العدالة الناجزة والقصاص العاجل لمواجهة الأخطار والجرائم والقضايا المهمة ذات التبعات الخطيرة على المجتمع، وحتى لا يتم نسيان الجرائم والخطايا الكبيرة التى تحدث أو تطرأ على مجتمعنا- فلا بد من تحقيق العدالة الناجزة والردع المطلوب لمنع تكرار نفس الأخطاء الكبرى أو الخطايا الفادحة التى يشهدها مجتمعنا مرة أخرى.
تطرقت لهذا الأمر، بسبب ما تابعناه وأفزعنا جميعًا منذ بضعة أيام لحادثة مروعة أسفرت عن وفاة ثلاث طبيبات شابات فى مقتبل العمر، وهن زهرة شباب بلدنا من محافظة المنيا، فضلًا عن إصابة ١٢ أخريات، وذلك إثر انقلاب أتوبيس بنفس المحافظة، كان ذاهبًا بهن ليلًا إلى القاهرة من أجل تأدية دورة تدريبية فى القاهرة، أما السبب وراء السفر ليلًا، فهو قرارات متعسفة وأوامر عشوائية وغير إنسانية وتهديدات صارمة بوزارة الصحة قبلها بساعات قليلة بضرورة التوجه فى تمام التاسعة صباحًا لبدء دورات تدريبية فى القاهرة، فما كان من الطبيبات الشابات، خوفًا من العقاب إلا أن قمن باستئجار سيارة يقودها سائق فى وسط الليل والظلام الدامس بسرعة كبيرة، ما أسفر عن انقلاب السيارة بالطبيبات الشابات دون أى ذنب منهن.
إن تفاصيل هذه الحادثة المروعة التى واجهتها طبيبات المنيا من آلام ولحظات الموت والذعر التى وقعت لهن- لهى كارثة بكل المقاييس، فمنهن من توفيت، ومنهن من ستعيش بإعاقة أو بإصابة فى أنحاء جسدها، ومنهن من نجت لكنها رأت الموت بعينيها ورأت دماء زميلاتها تسيل أمام عينيها، وهو مشهد أليم ومأساوى بكل المقاييس، كما أنها حادثة تدمى قلب كل من لديه بعض الإنسانية، وبعض الرحمة، مما أسفر عن حزن بالغ وغضب عارم، لأن الحادثة هزت الرأى العام فى الشارع المصرى، وأصبحت مادة دسمة ومحل العديد من الأسئلة لرواد مواقع التواصل الاجتماعى لمعرفة ما سيتم من تحقيقات، كما ألقى الكثيرون باللوم على وزيرة الصحة شخصيًا، كمسئولة أولى عن إصدار مثل هذه الأوامر التعسفية للطبيبات بالسفر ليلًا من المنيا إلى القاهرة.
وأعتقد أنه من الضرورى تدخل كبار المسئولين فى الدولة لبحث وعلاج مثل هذه القضايا، حيث إن وزارة الصحة، المسئولة عن صحة وعلاج ورعاية المواطنين المصريين، اتضح أنها هى التى يصدر عنها أوامر فيها تعنت وتعسف، أودت بحياة وإصابة طبيبات يعملن بها، لذا فإننا نطالب بالقصاص العادل والسريع لكل من شارك فى إصدار هذه القرارات الغريبة، فليس من المقبول أو المنطقى أو حتى العقل أن يتدرب الطبيب ليكتسب خبرة مضافة خارج المحافظة التى يقطنها، وأن يتلقى أوامر بالسفر إلى القاهرة ليلًا، تاركًا خلفه منزله وأهله، فإذا كان هذا هو حال الطبيب، فما بالنا بطبيبات شابات لدى أكثرهن أبناء صغار أو شابات لم يتزوجن بعد، ثم نطالبهن بالتوجه ليلًا إلى المجهول، وإلى حيث محافظة بعيدة عنهن لا يدرين أين سيُقمن بها؟!
وهنا أتساءل: هل وزيرة الصحة لا تعلم بهذه القرارات التعسفية وبتهديد الطبيبات الشابات بأشد عقاب إذا لم ينصعن لفرمانات ديكتاتورية عليا لا مناقشة فيها؟.. فإذا كانت لا تعلم فإنها مصيبة؟ وإذا كانت تعلم فإنها كارثة أكبر ينبغى أن تحاسب عليها، لأنها لم تُوقف هذه الفرمانات التعسفية وإهدار حقوق وحياة الطبيبات وحقهن فى معاملة آدمية عادلة باعتبار أنهن يمارسن أنبل مهنة بأقل مرتب، إننا نطالب برد حقهن جميعًا والقصاص لهن.
وإن لم يتم القصاص العادل فى مواجهة مثل هذه الفرمانات التعسفية والعشوائية من قبل المسئولين عن هذه الحادثة المروعة فإنها ستتكرر فى نفس الوزارة وفى وزارات ومؤسسات حكومية أخرى، لأنها أشبه بسياسة استعباد للبشر والعاملين فى الدولة دون مراعاة الظروف المحيطة بشكل عام ودون دراسة وافية لتنفيذ العمل بشكل آدمى وبما لا يعرض حياة العاملين للخطر أثناء تأدية العمل.
وإذا ما عُدنا إلى شاهدة عيان لأخذنا الدليل الحى على جريمة حدثت فى مديرية الصحة التى شددت على حضورهن فى ذلك الوقت، حيث قالت فاطمة، إحدى الطبيبات الناجيات من الحادث الأليم، إنه تم تبليغهن قبل الحادث بعدة ساعات بضرورة الانتقال إلى القاهرة فى تمام التاسعة صباحًا، وأن وزارة الصحة حذرتها هى وصديقاتها من عدم حضور الدورة التدريبية فى الموعد الذى تم تحديده، وإلا ستتم مجازاتهن وتحويلهن إلى التحقيق، كما أكدت أنها اختارت أن تتوجه إلى القاهرة برفقة زميلاتها خوفًا من أى عقوبات عليهن، وطالبت فاطمة بسرعة وضرورة ومحاسبة المسئولين عن هذا الحادث المروّع.
أما نقابة الأطباء، فقد قررت إحالة الأطباء المسئولين عن إصدار الأوامر الإدارية التعسفية إلى لجنة التحقيق بالنقابة، وتقديم بلاغ للنائب العام والنيابة الإدارية، لفتح تحقيق «جنائى وإدارى» فى الواقعة ضد من تسبب فى إصدار أوامر تعسفية، أو شارك فى تهديد الأطباء، ما عرض حياتهن للخطر، وذلك لاتخاذ إجراءات احتساب الوفيات والإصابات كإصابات عمل مع تقديم أعلى مستوى من الرعاية الصحية للمصابات حتى وإن استدعت الحالة السفر إلى الخارج، ورفع دعوى مدنية ضد وزارة الصحة لمطالبتها بالتعويض المناسب لأهالى الشهيدات والمصابات.
وقرر مجلس نقابة الأطباء إحالة ٥ أطباء من القيادات الإدارية بمديرية الشئون الصحية بالمنيا والوزيرة إلى لجنة التحقيق بسبب هذا الحادث المروع، موضحًا أن العقوبات قد تصل إلى الشطب من سجلات نقابة الأطباء، كما دعا إلى جمعية عمومية يوم ١٢مارس المقبل لبحث أزمات الأطباء فى مصر فى ضوء ما جرى لطبيبات المنيا ومخاطبة السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس الوزراء بالتدخل لإيقاف كل أشكال التعسف والمخاطر التى يواجهها الأطباء حاليًا.
ولا شك أننى أمام هذه الحادثة الأليمة التى حدثت بسبب تعسف وزارة الصحة والعشوائية والتوحش فى إصدار أوامر غير آدمية، فإننى أضم صوتى لصوت مجلس نقابة الأطباء فى مخاطبة رئيس الجمهورية، بما نعرفه عنه من قلب رحيم واتخاذ قرارات إنسانية، أن يصدر توجيهاته بإيقاف كل أشكال التعسف والعنف فى القرارات ضد طبيبات وزارة الصحة، وضد الأطباء أيضًا وفى المؤسسات الحكومية التى ما زالت بها ممارسات تعسفية وعشوائية ضد النساء، ومما يشكل جرمًا أو تمييزًا أو خطرًا لا تحمد عواقبه.. كما أضم صوتى فى مخاطبة رئيس الوزراء، حيث إنه المنوط بمحاسبة وزيرة الصحة وكبار القيادات التى أصدرت هذه الأوامر المتعنتة، والتى أسفرت عن وفاة ٣ طبيبات شابات وإصابات خطيرة لـ١٢ أخريات.
إن دماء أى امرأة مصرية غالٍ جدًا، ولا تعوضه أى تعويضات مالية مهما كانت، ونأمل أن تسفر نتائج التحقيقات عن عقوبات رادعة تحقق القصاص العادل لأهالى الضحايا، ولنا نحن أيضًا الذين تألمنا للحادث المروع، والذى أدمى قلوبنا بسبب وفاة طبيبات مصريات شابات فى مقتبل حياتهن، وأرى أن شطب المسئولين الذين شاركوا فى القرارات التعسفية بمديرية صحة المنيا، هو جزاء غير كافٍ وغير رادع، ولا يكفى لرد حق الوفيات والمصابات.