رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الليبيون أغلقوا حنفية النهب



وقف إطلاق النار فى ليبيا، الذى بدأ الأسبوع الماضى، لا يزال ساريًا. بينما لم تتوقف تركيا عن إرسال الإرهابيين والمرتزقة، وقامت قواتها بتركيب منظومة دفاع جوى أمريكية فى مطار معيتيقة، كما قامت بإنزال أسلحة ومدافع موجهة فى ميناء مصراتة. ووسط تلك «المعجنة»، وقبل ساعات من انعقاد مؤتمر برلين، أعلنت «المؤسسة الليبية الوطنية للنفط» حالة «القوة القاهرة» بعد إيقاف صادرات النفط من موانئ شرق البلاد.
رجال القبائل اقتحموا الموانئ الخاضعة لسيطرة الجيش الوطنى الليبى، ما يعنى أن «الشعب الليبى هو الذى أقفل الموانئ النفطية والحقول ومنع تصدير النفط»، كما قال اللواء أحمد المسمارى، المتحدث باسم الجيش الوطنى الليبى، الذى وصف تلك الخطوة بأنها «جبارة»، وأوضح أن دور القوات المسلحة يتلخص فى حماية الشعب الليبى وحماية كل مكوناته وعدم السماح لأى أحد بتهديده. وأشار إلى أن الجماهير الغاضبة قامت بإغلاق الموانئ بعد تجاهل صوتها ضد الغزو التركى.
على الجانب الآخر، نقلت وكالة «رويترز» عن محللين أن إغلاق الموانئ ما كان ليحدث دون موافقة قيادة الجيش الوطنى الليبى. وبشكل أكثر وضوحًا ذكرت «المؤسسة الليبية الوطنية للنفط» فى حسابها على «فيسبوك» أن التعليمات التى تلقتها إدارات عدد من الشركات بـ«إيقاف صادرات النفط من موانئ البريقة وراس لانوف والحريقة والزويتينة والسدرة»، صدرت عن «القيادة العامة وجهاز حرس المنشآت النفطية فى المناطق الوسطى والشرقية».
إغلاق الموانئ سيؤثر، قطعًا، على مجريات مؤتمر برلين، الذى ينعقد اليوم الأحد، والذى سبقته سلسلة من المؤتمرات والمفاوضات الفاشلة. كما انعقد مجلس الأمن ١٥ مرة، آخرها فى ٦ يناير الجارى، لمناقشة الأوضاع فى ليبيا، ولم يصدر عن كل تلك الاجتماعات إلا كلام عام وعائم، يكشف انقسام الدول، تنافسها أو صراعها، على نهب ثروات الشعب الليبى. وبدا واضحًا للعيان، بفتح الياء فقط أو فتحها وتشديدها، تعامى المجلس عن الدعم التركى، القطرى للميليشيات الإرهابية الذى تزايد منذ بدأت عمليه تطهير العاصمة طرابلس.
المهم، هو أن شيوخ القبائل اتهموا ما كان يوصف بـ«المجلس الرئاسى الليبى»، أو حكومة فايز السراج، منتهية الصلاحية، باستخدام إيرادات النفط لدفع أجور مقاتلين أجانب، فى إشارة إلى المرتزقة الذين أرسلتهم (وترسلهم) تركيا إلى غرب ليبيا لمساعدة الميليشيات الإرهابية. ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن شيخ قبيلة الزوية العمدة السنوسى الحليق الزوى أن «انطلاق حراك إغلاق الحقول والموانئ النفطية»، يهدف إلى «تجفيف منابع تمويل الإرهاب بعوائد النفط».
المؤسسة الوطنية للنفط التى يقع مقرها فى طرابلس، أى تحت سيطرة ميليشيات السراج، والتى تزعم حرصها على الابتعاد عن الصراع، ذكرت فى بيان أن «المنشآت النفطية ملك للشعب الليبى ولا يجب استخدامها كورقة للمساومة السياسية». وحذرت من أن وقف إنتاج النفط وتصديره سيكون له «عواقب وخيمة على الاقتصاد من السهل التنبؤ بها»، وأوضحت: «سنواجه انهيارًا فى سعر الصرف، وسيتفاقم العجز فى الميزانية إلى مستوى لا يمكن تحمله، كما سنشهد مغادرة الشركات الأجنبية، وسنتكبد خسائر فى الإنتاج قد نستغرق سنوات عديدة لاستعادتها».
ما جاء فى بيان «مؤسسة النفط» يكاد يتطابق مع ما ذكرته بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا فى حسابها على «تويتر»، بينما أمسك غسان سلامة، المبعوث الأممى إلى ليبيا، العصا من المنتصف، بأن أعرب عن أمله فى أن ينتهى إغلاق موانئ النفط شرقى ليبيا خلال بضعة أيام، مع تأكيده، فى الوقت نفسه، على ضرورة وقف التدخلات الخارجية فى البلاد.
إنتاج النفط الليبى كان يبلغ نحو ١.٣ مليون برميل يوميًا قبل إغلاق الموانئ. ومع إيقاف موانئ شرق ليبيا، التى انتقلت السيطرة عليها من الجيش الوطنى الليبى إلى رجال القبائل، ستتقلص صادرات النفط الخام بأكثر من النصف. وطبقًا لإحصائيات مصرف ليبيا المركزى، فإن إيرادات ليبيا من النفط تجاوزت الـ٢٠ مليار دولار منذ بداية ٢٠١٩ إلى نهاية نوفمبر الماضى. وحتى تتضح الصورة، أو تتعقد أكثر، نشير إلى أن الجيش الوطنى الليبى يسيطر على معظم حقول ومنشآت النفط، إلا أن حصيلة البيع تذهب إلى مصرف ليبيا المركزى، الواقع تحت سيطرة ما يوصف بالمجلس الرئاسى الليبى، أو ميليشيات السراج، وبالتالى، يتولى الأخير توزيع تلك العوائد على الميزانية العامة للدولة!.
الليبيون، إذن، أغلقوا حنفية النهب. وكنا قد ذكرنا فى مقال سابق، أن ثروات الشعب الليبى، والنفط على رأسها، هى كلمة السر وراء الصراع الدولى والإقليمى الدائر. كما يمكنك تفسير حالة السعار، التى أصابت مجنون تركيا، لو عرفت أن إيطاليا وفرنسا تتسابقان على انتزاع حصة من شركات تمثل مصالح دولها، أبرزها العملاقان الكبيران «إكسون موبيل» الأمريكية، و«بريتيش بتروليوم» البريطانية. ومعروف أن لهاتين الشركتين، كما لغيرهما من الشركات العملاقة، نفوذًا كبيرًا داخل دولتيهما وخارجهما.