رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قافلة «غاز المتوسط» تسير



الاجتماع الوزارى لمنتدى غاز شرق المتوسط، الذى استضافته مصر، الخميس، هو الثالث، لكنه الخطوة الأولى، الرئيسية، نحو إطلاق الإطار التأسيسى للمنتدى وتحويله إلى منظمة دولية، مقرها القاهرة. وبانضمام فرنسا والولايات المتحدة، من المنتظر أن تنضم دول أخرى، وأن تواصل قافلة المنظمة الدولية سيرها، دون أى التفات إلى ذلك العواء القادم من أنقرة أو غيرها.
انعقد الاجتماع، برئاسة طارق الملا، وزير البترول، وشارك فيه وزراء الطاقة القبرصى واليونانى والإسرائيلى والمسئول الفلسطينى عن الطاقة، ووكيلة وزارة التنمية الاقتصادية الإيطالية، وممثل وزيرة الطاقة الأردنية، بصفتهم ممثلى الدول السبع المؤسسة للمنتدى، وبصفتهم ضيوفًا، حضر ممثلو الاتحاد الأوروبى، البنك الدولى، الولايات المتحدة وفرنسا. وخلال الاجتماع أكد المؤسسون أن المنتدى «يحترم حقوق الأعضاء بالكامل فى مواردهم الطبيعية، وفقًا للقانون الدولى»، وأشاروا إلى أنه سوف يكون «منصة لإقامة حوار منظم حول الغاز».
المنتدى، الذى يضم سبع دول متوسطية، تم الإعلان عن إنشائه فى يناير الماضى، بهدف إدارة موارد تلك الدول الطبيعية. وأمس الخميس، قدمت فرنسا طلبًا رسميًا للانضمام إلى المنتدى، كما أعربت وزارة الطاقة الأمريكية عن رغبة بلادها فى أن تنضم بصفة مراقب.
ممثلو الدول السبع قاموا بالتوقيع، مبدئيًا أو بالأحرف الأولى، على الإطار التأسيسى للمنتدى. أما التوقيع النهائى، فسيكون بعد مراجعة المفوضية الأوروبية، ضمانًا لتوافقه مع قانون الاتحاد الأوروبى. أما الطلبان، الفرنسى والأمريكى، فكانا محل ترحيب، وأشار وزير البترول المصرى إلى أنه سيتم إقرارهما من جانب الأعضاء المؤسسين، وفقًا للنظام الأساسى للمنتدى. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن شركة «إكسون موبيل» الأمريكية دخلت، فى فبراير الماضى، على خط التنقيب عن الغاز فى شرق المتوسط. ما يجعل الولايات المتحدة لاعبًا أساسيًا، ويفسر زيارة الجنرال كينيث ماكينزى، قائد القيادة المركزية الأمريكية، إلى مصر، فى يونيو الماضى، وعرضه التعاون مع القوات البحرية المصرية، لحماية حقول الغاز فى المنطقة.
فى رد فعل عبثى، متوقَّع، وصفت الخارجية التركية المنتدى بأنه «معادٍ لأنقرة»، وزعمت أن تحويله إلى منظمة دولية، «بعيد عن الواقع». وهدّدت، فى بيان أصدرته الخميس، بأن إنشاء مثل هذه التكتلات «لن يساهم فى تحقيق السلام والتعاون فى المنطقة، وأن أى مبادرة تتم فى شرق المتوسط دون وجود تركيا لن يكتب لها النجاح». وتوّعدت بأن «تركيا ستواصل بإصرار حماية حقوقها ومصالحها فى البحر المتوسط، إضافة لحقوق ومصالح القبارصة الأتراك»!.
علامة التعجب من عندى، ولو كنا فى عالم يحترم القانون الدولى أو المواثيق والمعاهدات، أو يحترم نفسه، ما مرت هذه التهديدات أو التقيؤات، وما مرّ ما سبقها من تصريحات وتحركات تركية، على الأرض أو فى البحر، دون حساب رادع. لكن، ربما يبرر صمت ما يوصف بـ«المجتمع الدولى» تسليمه بأن تركيا يقودها مجنون أو مخبول، وبالتالى، ليس عليه حرج!.
اكتشافات الغاز الضخمة فى منطقة شرق المتوسط، أصابت الرئيس التركى، فعلًا، بالجنون. خاصة بعد أن تحطمت أحلامه فى أن تصبح دولته ممرًا للطاقة من المتوسط إلى أوروبا، وبعد أن فشلت محاولاته ومؤامراته فى فرض نفسه على التحالفات الإقليمية والدولية التى تشكلت لتقاسم ثروات شرق المتوسط، سواء عبر توقيعه اتفاقية مع «جمهورية شمال قبرص»، المزعومة، أو بتوقيع مذكرة تفاهم مع غير ذى صفة فى ليبيا، تخالف بديهيات الجغرافيا والقانون الدولى واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التى لم توقع عليها تركيا إلى الآن.
بعيدًا عن الأحلام، الأوهام التركية، ودون أى التفات إلى عواء رئيسها وغلمانه، المستمر والمتصاعد، تسعى مصر، بخطوات ثابتة، إلى أن تكون مركزًا إقليميًا للطاقة، انطلاقًا من موقعها الاستراتيجى، وتأسيسًا على جهودها طوال السنوات الست الماضية، فى تطوير هذا القطاع، التى أهلتها لاستقبال الغاز من الدول المنتجة، وإسالته وإعادة تصديره. واستنادًا إلى قواتها المسلحة، القادرة على قطع أيادى ورقاب كل من يحاول الاقتراب من ثروات شعبها ومقدراته.
بجهودها السابقة والمستمرة، وبخطواتها الثابتة، تمكنت مصر من الإمساك بمفاتيح مستقبل غاز شرق المتوسط، وفرضت اسمها على خريطة الطاقة الدولية. حتى لو ضايقك، كما ضايقنا، أن تكون إحدى تلك الخطوات إعلان وزيرى البترول والطاقة المصرى والإسرائيلى، على هامش اجتماع الخميس، عن بدء ضخ الغاز الإسرائيلى إلى مصر، تمهيدًا لتصديره مسالًا إلى أوروبا.
وأخيرًا، معروف أن الكلب، أى كلب، يقتله العُواءُ. وعليه، فإن الكلاب الضالة، فى أنقرة أو غيرها، ستظل تعوى، تعوى فقط، إلى حين، بينما قافلة غاز شرق المتوسط، أو منظمتها الدولية، تواصل سيرها، بدولها السبع، ثم التسع ثم.... ولا نعتقد أن عائقًا، قانونيًا أو عسكريًا، قد يمنعها من الحفاظ على حقوق أعضائها فى ثرواتهم ومواردهم الطبيعية.