رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مؤتمر علمى وطنى لبحث أزمة سد النهضة


لا حاجة بنا إلى انتظار دلائل جديدة تؤكد إصرار إثيوبيا، بقيادة رئيس وزرائها، «أبى أحمد»، على إضاعة الوقت واستنزاف الجهد، لحظة بعد أخرى، ويومًا بعد يوم، مع تخديرنا بمعسول الكلام، وليِّن القول، حتى أصبحنا أمام أمر واقع لا مجال لأدنى تجاهل له.

أمر واقع يقول إن إثيوبيا عازمة على التنصل من التزاماتها، والتحلل من عهودها والتراجع عن كل الوعود الرومانسية التى طالما دغدغت مشاعرنا بها، وإنها، بلا أى نظرة ودية، أو اعتبارات إنسانية، أو مراعاة لحقوق الجوار، أو للحقوق التاريخية، تقول لنا بملء فيها: «ها أنا ذا مُقدمة على أن أفعل ما أشاء، وما تمليه علىّ مصالحى المباشرة والضيقة، حتى لو كان هذا يعنى خراب مصر وبوار أراضيها وتهديد مستقبل شعبها».
فهى، إزاء الاقتراحات التى بلورتها مصر بشأن توقيت فترة ملء خزان «سد النهضة» فى مدة زمنية أطول، وبحيث تكون التأثيرات السلبية لهذه العملية على حجم ما تستقبله مصر من مياه النيل، أى على حياتها وحياة ناسها، وعلى وجودها ومستقبلها، أقل ما يمكن.. لم تتورع عن أن تصفها، بغلظة وجفاء، بأنها: «محاولة من مصر، للحفاظ على نظام أعلنته ذاتيًا لتوزيع المياه، يرجع إلى الحقبة الاستعمارية».
ويبدو من مجمل الخبرات فى التعامل مع إثيوبيا، خلال السنوات الماضية، أنها لن تتراجع عن محاولات التملص والمناورة والمراوغة والبحث عن ذرائع، أو حتى اختلاقها استهلاكًا للزمن، على نحو ما صرح به وزير المياه الإثيوبى، «سيلشى بيكل»، إلى وكالة «رويترز»، بأن «مصر جاءت إلى المحادثات من دون نية التوصل إلى اتفاق، وتقدمت بطلب غير مقبول، وهو ملء السد فى فترة زمنية (من ١٢ إلى ٢١ عامًا)، وسنبدأ (أى إثيوبيا) ملء السد بحلول يوليو المقبل».
ثم، وحتى تتحلل من التزاماتها، تتجرأ إثيوبيا على طرح مسار آخر، غير المسار الذى بدأ عبر الولايات المتحدة ومستمر حتى الآن، عبر اقتراح «أبى أحمد» مؤخرًا بأن تتولى دولة جنوب إفريقيا، ورئيسها «سيريل رامافوزا» الذى ستترأس بلاده «الاتحاد الإفريقى» خلفًا لمصر بعد أيام وجيزة، التوسط فى الأزمة، وبما يعنى المزيد من المسارات المتقاطعة والمتعارضة والمربكة، وحتى تضيع المعالم وتتوه منا الأقدام.
فإثيوبيا، رغم كل الملاطفات والمناشدات، والكرم الحاتمى فى التعامل معها، فإنها ستنفذ وعيدها، وقد بدأ العد التنازلى، وبعد ستة أشهر لا غير، ستمر كغمضة عين أو انتباهتها، ستبدأ معاناة الشعب المصرى فى العيش على «حد الإملاق»، أو «الكفاف»، أو «العوز» المائى، بما يعنيه ذلك من بوار للأرض الزراعية، وتأجيل وتوقف المشاريع العمرانية، وتجميد خطط بناء المدن الجديدة والإنشاءات الصناعية، إذ إن كلها تنهض على حصة وفيرة من المياه، لن يكون توفيرها مُيسرًا.
لقد وقعت الواقعة، وأصبح علينا أن نجمع إراداتنا، وأن نستنفر جهودنا فى صحوة تأخرت، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، واتخاذ جميع الإجراءات التى يمكن لها أن تقلل من حجم الخسائر، وأن تحاصر آلام وخسائر المرحلة المقبلة فى أضيق نطاق. وإننى أعيد، بهذه المناسبة، طرح اقتراح واجب، ولا يقبل التأخير، فحواه دعوة كل المعنيين، من علماء زراعة ورى وفلاحين وصناعيين ومهندسين وجيولوجيين وخبراء ومختصين ورجال سياسة وعلم ودين ودبلوماسيين وإعلاميين، وغيرهم من المُشتبكين مع هذه المسألة المصيرية، إلى مؤتمر وطنى شامل وعاجل، تطرح فيه القضية على بساط البحث، بكل مداخلها ومخاطرها وآليات عملها وأساليب مواجهة الوضع المترتب عليها، وأثق ثقة مطلقة فى أن جمهرة المشاركين فى هذا المؤتمر، لن يبخلوا بخلاصة علمهم وخبرتهم على بلادهم، بل سيتسابقون لتنفيذ أى اقتراح يفيد بلدهم فى هذا الشأن الجلل.
كُتب هذا المقال قبل انتهاء اجتماعات واشنطن بشأن سد النهضة بين وزراء الخارجية والمياه فى مصر وإثيوبيا والسودان.