رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

برنيس.. «فتح استراتيجى» جديد



بطليموس الثانى، المعروف باسم «فيلادلفوس»، أى المحبّ لأخته، تولى حكم مصر سنة ٢٨٥ قبل الميلاد. وخلال فترة حكمه قضى على محاولة لانفصال «أو استقلال» ليبيا، وأحكم سيطرته على سوريا، بالإضافة إلى بعض جزر اليونان. وسنة ٢٨٠ «ق.م» أنشأ منارة الإسكندرية لإرشاد السفن، لتكون أول منارة فى العالم، وإحدى عجائب الدنيا السبع القديمة، وأقام حديقة للحيوان، وضع فيها كل ما هو غريب من الطيور والحيوانات.
على ساحل البحر الأحمر، جنوب شرق البلاد، أقام بطليموس الثانى، أيضًا، سنة ٢٧٥ «ق.م» مدينة، أطلق عليها اسم والدته، «برنيس»، تخليدًا لذكراها. وحتى لا تعتقد أن هناك خطأ فى التواريخ، نشير إلى أن العدّ، قبل الميلاد، أو «ق.م»، يكون تنازليًا وصولًا إلى الرقم واحد أو السنة الأولى: سنة ميلاد السيد المسيح، التى بدأ معها التقويم الميلادى.
تلك هى المدينة التى صارت، اليوم، قاعدة عسكرية، تضم قاعدة بحرية وقاعدة جوية ومستشفى عسكريًا وعددًا من الوحدات القتالية والإدارية وميادين للرماية والتدريب لجميع الأسلحة، كما تضم رصيفًا تجاريًا ومحطة استقبال ركاب وأرصفة متعددة الأغراض، وأرصفة لتخزين البضائع العامة وأرصفة وساحات تخزين الحاويات، بالإضافة إلى محطة لتحلية مياه البحر، ومطار «برنيس» الدولى، الذى تكلف تحويله من مطار «حربى» إلى «حربى مدنى» نحو ٤٣٠ مليون جنيه، وفرتها وزارة التعاون الدولى.
بعد ٢٢٩٥ سنة، اتسعت مساحة «برنيس» إلى ١٥٠ ألف فدان، وقام الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمس الأربعاء، برفع علم قواتنا المسلحة على القاعدة العسكرية، إيذانا بافتتاحها، بالتزامن مع رفع علم القوات المسلحة على المكون البحرى من القاعدة الأكبر بمنطقة البحر الأحمر، وشهد المرحلة الختامية للمناورة «قادر ٢٠٢٠»، أضخم مناورة فى تاريخ قواتنا المسلحة، التى شاركت فيها حاملة المروحيات ميسترال والسفن القتالية والغواصات ومختلف أنواع المقاتلات متعددة المهام والمروحيات الهجومية، مع تشكيلات ووحدات من القوات الجوية البرية، البحرية، الدفاع الجوى، حرس الحدود، وعناصر القوات الخاصة من الصاعقة والمظلات ووحدات ٩٩٩ قتال.
فى زمن قياسى، صارت «برنيس»، الواقعة قرب حدودنا الدولية الجنوبية، إحدى قلاع العسكرية المصرية على الاتجاه الاستراتيجى الجنوبى، بقوة ضاربة فى البر والبحر والجو، تتوافق مع أعلى المعايير الدولية، ما يعزز التصنيف الدولى لقواتنا المسلحة بين مختلف جيوش دول العالم. وما يحقق الهدف الاستراتيجى من إنشاء القاعدة: حماية وتأمين السواحل المصرية الجنوبية، حماية الاستثمارات الاقتصادية والثروات الطبيعية، مواجهة التحديات الأمنية، إضافة إلى تأمين حركة الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر وحتى قناة السويس والمناطق الاقتصادية المرتبطة بها.
تأكيدًا لإمكانيات وقدرات قواتنا المسلحة، وارتباطًا بطبيعة التهديدات والعدائيات الحالية والمنتظرة، ونتيجة لما تشهده الساحتان الإقليمية والدولية من حالة عدم استقرار وتنامى الأعمال المسلحة، جاءت فكرة الاستراتيجية التعبوية لمناورة «قادر ٢٠٢٠»، كما أوضح اللواء أركان حرب يحيى الحميلى، رئيس هيئة تدريب قواتنا المسلحة، الذى عرفنا منه أن بعض العناصر المعادية التابعة لإحدى الدول «يقصد تركيا»، قامت بعملية محدودة على أحد الاتجاهات الاستراتيجية، وحاولت التأثير على المصالح الحيوية للدولة المصرية، مع استمرار تقديمها الدعم اللوجستى لتصعيد العمليات الإرهابية على الاتجاه الاستراتيجى الشمالى الشرقى. وعليه، قررت القيادة العامة لقواتنا المسلحة تنفيذ أعمال «الفتح الاستراتيجى التعبوى الجزئى» للقضاء على جميع التهديدات فى مختلف الاتجاهات الاستراتيجية، مع فرض السيطرة الكاملة على الحدود الدولية ومسرحى عمليات البحرين الأحمر والمتوسط، وتأمين الملاحة البحرية ومصادر الثروة.
تلك هى مصر، التى «لم تكن فى يوم من الأيام دولة معتدية أو مغتصبة لحقوق الآخرين، أو طامعة فى خيراتهم».. مصر التى «لم تكن معوقة لتنمية أحد».. مصر التى «تمد يدها بالسلام والخير والتنمية لكل دول العالم»، لكنها «لن تتوانى فى الدفاع عن مكتسباتها وحقوقها التاريخية بكل ما أتاها الله من قوة». وما بين التنصيص ننقله عن كلمة العقيد ياسر وهبة، مقدم حفل افتتاح قاعدة «برنيس»، التى أشار خلالها إلى أن الأنشطة التى تمت، اليوم، ما هى إلا عرض لبعض إمكانيات هذه القاعدة التى تزخر بالعديد من الإمكانيات، والتى تعمل فى تناغم وتنسيق وتعاون كامل مع باقى تشكيلات ووحدات جيش مصر، الذى يرابط رجاله فى كل بقعة من أرض الوطن.
ولا يبقى غير أن نعترف بأننا ترددنا قبل الإشارة إلى أن «برنيس»، المدينة أو القاعدة العسكرية، تحمل اسم «أم بطليموس الثانى»، خشية أن نفاجأ بالمعتوه وجدى غنيم، يحدثنا عن «أمّه» التى زعم أن «طشتها» أكبر من قناة السويس الجديدة. كما أنه ليس بعيدًا أو مستبعدًا أن تدب الغيرة فى قلب «الفتى تميم» ويطالب قوات الاحتلال بإطلاق اسم «أمه» على إحدى قواعدها العسكرية فى تلك الدويلة، التى يحكمها بالوكالة!.