رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«اللغات» العربية


كان يا ما كان، كان فيه زمان ناس، عايشين فى منطقة جغرافية، بـ نقول عليها دلوقتى «شبه الجزيرة العربية»، الناس دول كانوا قبائل كتير أوى، أوى جدا يعنى، مكة، يثرب، قضاعة، لخم، الحجاز، نجد، نجران، تيم، تميم، طىء، غيظ بن مرة، قيس عيلان، الفدوكس، عك، ضبة، جحجبى، أد بن طابخة، البراجم، كلب، جحش، أنف الناقة، الحرماز.
هذه القبائل الكتيرة جدا، فيه منها قبيلة قريبة من قبيلة، قبيلة بعيدة عن قبيلة، قبيلة جاية من اليمن، قبيلة جاية من الشام، قبيلة كبيرة ومؤثرة، قبيلة صغيرة ومالهاش لازمة، قبيلة غارقة فى البدوية، قبيلة متحضرة شويتين، قبيلة متصلة بـ العالم الخارجى، أو فيها ناس متصلين بـ العالم الخارجى، قبيلة عمرهم ما اتحركوا بعيد عن نطاق عشرين تلاتين كيلو. هذه القبائل الكتير أوى، كانت بـ تتكلم لغات كتير أوى، دا شىء طبيعى وبديهى، كل قبيلة لها لغة، ممكن مثلا كل كام قبيلة ليهم لغة، لكن مش ممكن أبدا، يكون كل القبائل دى، من اليمن جنوبا لـ الشام شمالا، ومن البحرين وعمان شرقا لـ جدة غربا، بـ يتكلموا نفس اللغة.
أولا، دا شىء مش ممكن. ثانيا، ما وصلنا «رغم إنه وصلنا متسربا ومبتسرا ومبتورا ومصطنعا» بـ يشير بـ وضوح لـ وجود اختلافات جمة بين القبائل المختلفة، سواء فى النظام الصوتى، أو الصرفى أو النحوى، أو أى مستوى من مستويات اللغة.
هذه اللغات الكتيرة أوى، رغم إنها كتيرة أوى، إلا إنها كانت «متشابهة»، ليه؟ لـ إنه كلها جايه من نفس «الأسرة اللغوية»، تعبير الأسرة اللغوية دا مش تعبيرى، علوم اللسانيات الحديثة بـ تفضل تفكر فى الأمر بـ منطق الأسرة اللغوية، أحسن من ثنائية «اللغة – اللهجة»، فـ يقول لك مثلا «اللغات اللاتينية»، إشارة إلى مجموعة لغات، تشترك مع بعض فى بعض الخصائص والتركيب والسمات، الفرنسية والإيطالية والبرتغالية والإسبانية والرومانية دى «لغات لاتينية».
إنما مصطلح «الأسرة اللغوية» دا، رغم رحابته واتساعه، رغم إنه أفضل كتير كتير من ثنائية اللغة – اللهجة، يظل غير حاسم لـ الأمور، علشان فيه تصور عام كدا، إنه بـ يبقى فيه «أصل» وتنحدر منه «فروع»، والفروع دى هى مجرد تحريفات لـ هذا «الأصل».
إنما أنا حكيت لك قبل كدا حكاية أحمد ومنى، اللى اتجوزوا وخلفوا وولادهم خلفوا وأحفادهم خلفوا، الأمور بـ تبقى متداخلة جدا، دا بـ يخلى كتير من الأمور، مالهاش إجابات واضحة، ولا ليها حدود فاصلة.
اللغة الإنجليزية مثلا، لما تقرا فى «أصلها» هـ تدوخ، دا طبعا، إذا افترضنا إنه فيه حاجة، اسمها «اللغة الإنجليزية» أصلا.
فـ مصطلح «الأسرة اللغوية» هو مصطلح إجرائى هو التانى، هدفه محاولة الإمساك بـ أى حاجة، فى هذه التعقيدات المتشابكة.
نرجع لـ العرب، القبائل الكتيرة دى، كانت بـ تتكلم لغات كتيرة، لكنها تنتمى إلى أسرة لغوية واحدة، اصطلحوا على تسميتها «اللغات السامية»، زى السريانية والأكادية والأجريتية، كل اللغات دى متشابهة، زى ما «اللغات» الفرنسية، و«اللغات» الإيطالية، و«اللغات» الإسبانية، و«اللغات» البرتغالية متشابهة.
القبائل الكتيرة دى كانت بـ تتكلم لغات كتيرة، منحدرة من أسرة لغوية واحدة، فـ بـ التبعية كانت مشتركة فى سمات كتير، رغم إنها كانت لغات مختلفة، هنا بقى هـ يواجهنا كذا سؤال:
إلى أى حد كانت اللغات دى متشابهة؟ وإلى أى مدى كانت مختلفة؟ ليه ما اعتبروهاش لغات سريانية أو أكادية أو أى «أصل» سامى ليها؟ فين «اللغة العربية» من لغات القبائل دى؟
دا بقى محتاج كلام كتير.
خلينا نتابعه فى مقالات جاية، فـ ابقوا معنا.