رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هزيمة 67.. التيار الإسلامي والعصر العثماني


مع هزيمة ٦٧ وتصاعد التيار الإسلامى، كان من الطبيعى أن يتوارى إلى الخلف أطروحات التيار القومى الليبرالى، وأن تروج الكتابات التى تُعيد قراءة التاريخ من منظور إسلامى. وتركزت العديد من الكتابات على تجربة الدولة العثمانية باعتبارها «آخر خلافة إسلامية»، والتى أعقب سقوطها– فى نظر الكثيرين- اقتسام العالم العربى الإسلامى بين دول أوروبا، فضلًا عن ظهور المشكلة المزمنة المستعصية فى التاريخ العربى المعاصر، ألا وهى مشكلة فلسطين، التى حاول البعض التركيز على دور الدولة العثمانية فى الحيلولة دون السقوط الكبير لفلسطين فى أيدى اليهود.

على أية حال، فى ذلك المناخ ومع الثورة الإسلامية فى إيران ظهر الجزء الأول من العمل الضخم للدكتور عبدالعزيز الشناوى والمُعَنوَن بـ«الدولة العثمانية.. دولة إسلامية مفترى عليها».

نأتى الآن إلى نقد الأيديولوجيا عند الشناوى وموسوعته الضخمة حول الدولة العثمانية، من البداية ومنذ عنوان الكتاب يحدد الشناوى موقعه وهدفه من إعادة قراءة التاريخ العثمانى كتاريخ «دولة إسلامية مفترى عليها» يقول الشناوى:

«على مبلغ علمى لم تتعرض دولة فى العالم لمثل ما تعرضت له هذه الدولة من حملات عنيفة ضاربة استهدفت التشهير بها والنيل منها. وقامت بهذه الحملات المكثفة قوتان عالميتان عاتيتان هما الاستعمار الأوروبى والصهيونية، واتخذت هذه وتلك من المؤلفات التاريخية والبحوث (العلمية) والتصريحات الرسمية ومن مجموعات الوثائق التى نشرتها بعض الحكومات الأوربية مجالًا رحيبًا لإذاعة ما راق لها أن تنشره عن الدولة تحاملًا عليها».

وربما يكون فى كلام الشناوى قدر كبير من الصحة حول مدى تأثير كتابات المستشرقين حول صورة الإسلام بوجهٍ عام، والدولة العثمانية على وجه الخصوص، لكن الشناوى بأيديولوجيته هذه يحدد هدفه وأيضًا جمهور قرائه منذ البداية، مستفيدًا أيضًا من حالة العداء للغرب التى زادت فى هذه الآونة، مُدافعًا عن التاريخ العثمانى فى مقابل التاريخ الأوروبى، يقول:

«ومع ذلك حرص المؤرخون الأوروبيون على إحاطة تاريخ هذين العاهلين- نابليون الأول والثالث- بهالاتٍ من الفخر والمجد، فى الوقت الذى نعتوا فيه السلطان العثمانى بأنه السلطان المسلم الجاهل المتبربر المستغرق فى ملذاته مع حواريه الفاتنات. والحق أن وصف الدولة العثمانية بأنها دولة إسلامية مفترى عليها، هو أصدق قيلًا من أى وصفٍ آخر».

ولا يكتفى الشناوى بالاشتباك مع المستشرقين فحسب، بل يشتبك أيضًا مع التيار القومى العربى الذى يأخذ موقفًا حادًا من تاريخ الدولة العثمانية نتيجة التجارب المريرة بين القوميين العرب والأتراك فى أواخر أيام الدولة العثمانية، التى ساعدت فى رأيهم على إضعاف التيار العربى ومهدت لسيطرة القوى الأوروبية على العالم العربى، بينما ينظر إليها التيار الإسلامى على أنها- القومية العربية- لعبت أدورًا خطيرة فى تصدع بنيان الدولة العثمانية، وأنها كانت بمثابة الطابور الخامس للقوى الأوروبية فى داخل الدولة العثمانية. ويأخذ الشناوى على العديد من المؤرخين العرب التأثر بالمقولات الاستشراقية ضد الدولة العثمانية فيقول:

«وقد ردد بعض المؤرخين والباحثين العرب عن جهالةٍ أو تجاهلٍ أو حقدٍ تلك الآراء الخاطئة والظالمة معًا فى مؤلفاتهم».

ويُذكِّر الشناوى هؤلاء بأهمية الدور الذى لعبته الدولة العثمانية فى خدمة العرب وحمايتهم من الأخطار الخارجية المحدقة بهم، إذ يقول: «وغفل أولئك المتحاملون عن الخدمات التى أسدتها الدولة لولاياتها العربية بوجهٍ خاص، وهى خدمات يجب أن تُذكَر لها وتُشكَر عليها، وتناسوا أيضًا أن الدولة العثمانية واجهت أخطارًا دولية جسيمة كانت تهدد العالم العربى بأفدح الأخطار».

هكذا يأتى كتاب الشناوى إعادة قراءة لتاريخ الدولة العثمانية على ضوء التطورات وحركة المد الإسلامى التى شهدتها مصر والمنطقة العربية والإسلامية بعد هزيمة يونيو ٦٧، وأيضًا مع تصاعد حركة الإسلام السياسى، كان إعادة قراءة تاريخ الدولة العثمانية هو بمثابة محاولة لتجاوز حالة الانكسار بحكاياتٍ عن «الزمن الجميل» واختراع أندلس جديدة «الفردوس المفقود»، لكن كل ذلك فى الحقيقة لا يُقلل من أهمية كتاب عبدالعزيز الشناوى وغزارة المعلومات والتفاصيل التى لا نجدها فى أى كتابٍ آخر باللغة العربية.