رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من «غزوة ليبيا» إلى اغتيال سليمانى


لم يكد العام الجديد يخطو خطواته الأولى المُرتقبة حتى تفجّرت الوقائع والتطورات، مُنذرة بأن عام ٢٠٢٠ سيكون عامًا ساخنًا، بل ملتهبًا: تتزايد فيه درجة حرارة الأحداث، وترتفع أصوات قعقعة صداماتها، وتتقاطع فيه الوقائع، وتختلط الأهداف والدوافع، وتتشابك العداوات والمصالح، وتتعدد المخاطر والتهديدات، الأمر الذى يوجب أعلى درجات اليقظة والتحسُّب، حتى لا تفاجئنا التداعيات بما لا تُحمد عُقباه.
بدأنا العام وقضية التمدد التركى العسكرى، السياسى، الاقتصادى، وتغوُّله على «المجال الحيوى» المصرى، أو«الدائرة الاستراتيجية الأولى» لأمننا ومصالحنا، قد أصبح واقعًا ومحط انتباه العالم، وبلسان «رجب طيب أردوغان»، الرئيس التركى، فى حديثه إلى فضائية «سى إن إن تُرك» ٥ يناير الماضى، فقد «بدأ الجنود الأتراك الانتقال إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق»، والأهم تأكيده، «وهل كان يحتاج إلى تأكيد؟»، على الغايات الأصلية لحملته العسكرية: «نعمل مع (ليبيا) وشركات دولية للتنقيب عن النفط والغاز فى شرق المتوسط».
ثم وفى قمة التركيز على مواجهة تداعيات هذا الحدث الخطير، إذ بعملية القتل الأمريكى المُعلن للجنرال «قاسم سليمانى»، القيادى العسكرى والسياسى الإيرانى المهم، وقائد فيلق القدس، تقتحم المشهد، فتُشَتتُ الانتباه، وتستحوذ على «اللقطة»، وتأسر الأنظار، مانحةً «أردوغان» أيامًا، إن لم يكن أسابيعَ أو شهورًا ثمينة.
فانشغال الدُنيا عن خطوته الاستفزازية الكبرى فى ليبيا، ولو إلى حين، وانصباب اهتمام العالم كله على الساحة الإيرانية فى انتظار «رد فعلها» الحتمى على عملية القتل العمدى الأمريكية لأحد أبرز رموزها ورجالاتها، والذى وقع بالفعل بالهجوم على قاعدتين تستضيفان جنودًا أمريكيين، وحسابات تداعيات هذا الأمر الجلل، على السِلم والأمن العالميين، وعلى التفاهمات والمصالح الاستراتيجية للتكتلات والأحلاف والتجمعات الدولية والإقليمية.. إلخ، يمنحه مهلة لا تُقدّر بثمن لترتيب أوضاعه الجديدة بعد قفزته الواسعة تلك، ولاستكمال نقل وموضعة قواته وجماعات المرتزقة والإخوان والدواعش المؤتمرين بأمره إلى ليبيا، كخطوة مهمة فى سياق مغامرته الخطرة.
ويعرف كل مُطلع على الأوضاع التركية الداخلية، والتطورات السياسية والاقتصادية التى تداعت خلال العامين الفائتين، وأسهمت فى تأزيم الأوضاع كافة أمام «أردوغان» بعد عملية «الانقلاب» الفاشلة، أن «غزوة ليبيا»، والسعى لتسريع إيقاعها واعتصار فوائدها، قضية حياة أو موت لـ«أردوغان» ونظامه، راهن عليها كمقامرٍ محترف، أفرغ كل جيوبه على مائدة القمار طمعًا فى الفوز الكُلِّىّ، وإلّا فالإفلاس الأكيد والسقوط الحتمى مصيره الذى لا منجاة منه.
وفى الأيام الأخيرة، امتص الصراع الأمريكى- الإيرانى، جهد «المجتمع الدولى»، فيما تراجع التركيز على الجريمة التركية، ولو إلى حين.
أما مصر فقد أبرزت استعداداتها العسكرية، واستعرضت قواها وقدراتها البحرية، وأبلغت القاصى والدانى بأن أمر ليبيا ومستقبلها مسألة أمن قومى مصرى لا يمكن التفريط فيه، ولديها جدول أعمال غاص بالمهمات السياسية والدبلوماسية، لإبقاء ملف العدوان التركى مفتوحًا، ومُلحًا لا يقبل التأجيل، ولتكوين التحالفات التكتيكية، وتنشيط التحالفات الاستراتيجية، بهدف حصار التصرّف التركى، السياسى والاقتصادى والعسكرى، وفى مواجهة بلطجة «أردوغان» وأنصاره من جماعات التخريب والإرهاب المعولم.
ويبقى أن من أهم أدوات الضغط على «أردوغان» وحزبه، هو مقاطعة الشركات التركية التى تجنى من السوق المصرية أرباحًا طائلة، وهو أمر أقدمت عليه الجماهير المصرية دعمًا لانتفاضتى الشعب الفلسطينى، وأتى بمفعول واضح.
ومن عجبٍ، بدلًا من السعى لمعاقبة تركيا على أطماعها الاستعمارية التى توشك على أن تجعل من ليبيا، لو لم يتم إفشال مشروعها العدوانى، شوكةً بالغة الإيذاء فى خاصرة مصر، أن أُعطيت التعليمات للمنافذ الجمركية بالموانئ والمطارات، يوم الأربعاء الماضى، حسبما نشرت الصحف، «للبدء فى تطبيق قرار إعفاء السيارات ومنتجات عديدة أخرى واردة من تركيا من الجمارك، حيث يتم رفع نسبة التخفيض عليها لتصبح ١٠٠٪ من فئة الوارد بدلًا من ٩٠٪»!
ولا تعليق أيها السادة.. لا تعليق!