رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سعاد سليمان: القصة عمود بيتي وخيمة إبداعي

جريدة الدستور

قبل خمسة أعوام، فازت بجائزة متحف الكلمة الإسبانية عن قصتها القصيرة "تشابه"٬ كأول كاتبة عربية تفوز بهذه الجائزة. صدرت لها أول مجموعة قصصية 2001 بعنوان "هكذا ببساطة"، توالت أعمالها الإبداعية: الراقص٬ غير المباح٬ شهوة الملائكة٬ شال أحمر يحمل خطيئة٬ آخر المحظيات٬ حول فن القصة القصيرة وما يمثله في مسيرتها الإبداعية وغيرها من القضايا كان لـ"الدستور" هذا اللقاء مع الكاتبة سعاد سليمان.

ــ من كتاب القصة القصيرة الذين قرأت لهم قبل أن تكتب هذا الفن الأدبي؟
كثيرون، بداية من يوسف إدريس، الروسي أنطوان تشيكوف، أيضًا ميلان كونديرا، بهاء طاهر، عبدالوهاب الأسواني.

ــ ما الذي لفتك إلي الاهتمام بالقصة القصيرة؟ وكيف بدأت تجاربك الأولي في كتابتها؟
بدأت الكتابة في مراحلي المبكرة شعرًا، ثم استسخفت ما أكتب، وجدت في القصة ملهمتي ومن تستطيع الأخذ بيدي، وإنها أداتي الحقيقية لتوصيل ما أريد، أبهرتني النيجة لدرجة أن أول قصة كتبتها أعجب بها الناقد الكبير عبد القادر القط وسألني: كيف كتبتي هذه القصة، نظر لي بتمعن، سألني هذه ليست أول كتابة، تكهربت، لم أفهم، أقسمت إنها الكتابة الأولي لي، قال لكنها كتابة محترفة، أجبت ببلاهة دي أول قصة بس أنا كنت باكتب شعر، طبطب علي كتفي، وقال: إذن ليست أول الكتابة انتي كاتبة شاطرة. كانت القصة في أول مجموعة لي "هكذا ببساطة" بعنوان الغرفة تتسع لأطفال كثيرين.

ــ هل قرأت شيئا عن أصول هذا الفن أو طرائق كتابته؟
لا، ولا أعرف إذا كان هذا من حسن حظي أم من سوئه، لم أجدني في أي وقت أحتاج أن أعرف كيف تُكتب القصة أو الرواية، لكني قرأت الكثير من القصص والروايات لعدد كبير من الكتاب والكاتبات، كان كافيًا أن أعرف كيف تكتب القصة أو الرواية.

ــ ما الذي يجعلك تختارين إطار القصة القصيرة للكتابة دون غيره من أطر التعبير الأدبي؟
ربما طبيعتي المقاتلة والتي لا تعرف المستحيل وراء هذه الجرأة. اختار إطار القصة وفق طبعية الفكرة أو الموضوع، وأعتقد أن قصصي تحبني ولا تستعصي عليّ أبدًا، بل إني من أراوغها، وتجري ورائي حتي تجبرني علي الكتابة كمن يتلقي وحيًا.

ــ ما الذي تهدف القصة القصيرة عندك إلي توصيله للقارئ؟
كل الناس قراء لي، حتي من لا يعرفون القراءة والكتابة استمتع بالقراءة لهم، أجد لغتي بسيطة وسهلة الوصول لكل الناس، اضحك وهم يستمتعون بما يسمعون، في البداية كنت أحزن عندما يصفني النقاد بالبساطة، كنت أظنها مراداف التفاهة، ولكني أدركت أن البساطة هي الأجمل، هي الوصول لكل الناس، ربما كان نتيجة هذه البساطة تقديمي لفقرة تاريخية في برنامج "شارع شريف" أحكي التاريخ للناس ببساطة بدون تعقيد، ووجدت جمهورا كبيرا تصل إليه فكرتي وحكايتي ومعلوماتي بطريقة أجمل.لا أتمثل أي قاريء، في أثناء الكتابة أكون معجونة بالفكرة والكلمات وأقصر الطرق لتوصيل الحالة.


ــ ما مدي الزمن الذي تستغرقه كتابتك لإحدي القصص القصيرة ؟
لكل قصة ظروفها الخاصة، ما من قصة كتبتها إلا وأنا أتذكر متي وأين وكيف كتبتها، أحيانا نصف ساعة وتنتهي الكتابة، وأحيانا سنة في قصة لا تستغرق عشرة أسطر، وأحيانا قصص أكتبها وأهجرها سنوات وأعود إليها وأحيانا أرميها في صفيحة القمامة. قصتي الرجل ذو العمامة ظلت عشر سنوات تطاردني وأهرب منها، واخضعتني لسطوتها فكتبتها في نص ساعة وبكيت بشدة، أغلقت كراستي ونمت، لم أتذكرها إلا بعد اسبوع، قرأتها بخجل وقلق علي ابني أهم قارئ بالنسبة لي، قبل رأسي قال دي من أجمل القصص، أرسلتها إلي صديقي عبد الصبور بدر الأديب الجميل، قال لي دي قصة تاخد جايزة، لم أصدقه، أرسلتها إلي عشرة من الأدباء أصدقائي اثني عليها الجميع ولكني مازلت أخاف منها، فهي تبكيني، وكثيرة هي القصص التي تبكيني، وكثيرة أيضا القصص العصية والتي مازالت ترواغني وأهرب منها.

ــ هل استطعت من خلال ممارستك لكتابة القصة القصيرة أن تستخلصي لنفسك بعض العناصر الحرفية التي تسعفك عند الكتابة ؟
أتعامل مع الكتابة بتلقائية، نادرا ما أضع خطط لكتابة قصة ما، ربما أفعل ذلك في كتابة الرواية لأنها بالأساس تحتاج بناء معماري وتفاصيل، أصنع لكل شخصية تاريخ " سي في" أكتب كل شخصية علي حدة، ثم أدمجها ضمن الحبكة. أما القصة فأني اعتمد كثيرا علي الإلهام وطبيعة الموضوع الذي يفرض الصياغة، مثلا لدي بعض القصص باللغة العامية الصعيدية "سيرة عوضين" من المجموعة "الراقص" " عظمة يا ست" من مجموعة شهوة الملايكة" طبيعة الشخصية فرضت علي ذلك، هناك قصص علي لسان رجل مثل قصة قلب موشوم علي قدم من مجموعة " شال احمر يحمل خطيئة".

ــ هل تهتمين في كل قصة قصيرة بأن يكون لها مغزي بالنسبة للأوضاع الاجتماعية المعاصرة؟
لكل قصة مغزي، سواء اجتماعيا أو سياسيا أو نفسيا أو إنسانيا، ربما لا أقصده، ولكنه بالتأكيد موجود، يراه النقاد ولا أراه أنا في المعتاد، أكره الكتابة القصدية، تأتي مفتعلة وأنا أكره الافتعال بكل أنواعه.

ــ كيف يكون مدخلك إلي القصة القصيرة ؟ وهل يتجه اهتمامك إلي الحدث أم إلي الشخصية ؟
الإثنين، من الممكن أن تفجر القصة حدث، وممكن شخصية وممكن الحدث والشخصية، في قصتي وجووه مختلفة للحكاية من المجموعة القصصية شال أحمر يحمل خطيئة، كانت شخصية قائد الجيش العثماني المهزوم٬ أما القائد إبراهيم ابن محمد علي والذي هرب تاركا جنوده وشوهد بعد اسبوع يلبس ملابس مهلهلة ويتسول في الطريق كانت لافتة جدًا، هنا لدينا شخصية وحدث، وتاريخ موثق، إذن أنا أعيد كتابة التاريخ قصة، دون أن أخل أو أزيف واقعة تاريخية، كان ذلك تحدي بالنسبة لي، فلجأت لحيلة خيال الظل، وأعدت حكي القصة من عدة شخصيات حتي القائد الهزوم نفسه، أردت أن أقول حتي التاريخ الموثق يقوله كل طرف من وجهة نظره، ولكن كان للنقاد وجهة نظر أخري، اهتموا بالحيلة الكتابية ولم يهتموا بمضون الحدث، لست ضد وجهة نظر يتم طرحها في رؤية ما أكتب، ولكن الموضوع هو من يحدد أسلوب الكتابة.

نتيجة بحث الصور عن ‪girl‬‏

ــ هل تعينين الزمان والمكان للحدث التي تتضمنها القصة القصيرة أم تتركها بلا تعيين ؟
أتركها معظم الوقت، القصة القصيرة لا تحتمل كل هذه التفاصيل، الرواية أقدر، وأجدر وأرحب في تعيين الأماكن والشخصيات، خاصة أني لا أحب القصص الطويلة، فعلي مدار أربع مجموعات قصصية تحمل أكثر من مائة وخمسين قصة لم تزيد أي قصة عن 1500 كلمة، ولم تتعدي القصص التي تزيد عن الألف كلمة أكثر من خمس قصص ضمن مائة وخمسين قصة، كما أن القصة من وجهة نظري لا بد أن تكون صالحة لكل زمان ومكان وتعين الوقت والشخصيات يحرمها من هذه الميزة.

ــ إذا كنت قد انصرفت عن كتابة القصة القصيرة إلي غيرها من الأجناس الأدبية فمتي حدث ؟
القصة عمود بيتي وخيمة ابداعي لا أهجرها أبدا، الفكرة هي التي تملي علي شكل المنتج الأدبي، أذهب إلي المسرح لأن طبيعة الفكرة تحتم ذلك، وأكتب الرواية لأن الفكرة اتسعت ولم تعد تصلح لوضعها في سطور قليلة أو كثيرة، وأكتب المقال لأن الفكرة ولدت كذلك ولا أريد أن أشوه مولودي.

ــ كيف ترين مستقبل هذا النوع الأدبي ؟  
اعتقد أنه سيظل جنسا أدبيا بجانب الأجناس الأخري، فالقصة أصعب الأنواع الأدبية وحين سألوا الكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي لماذا كتبتي مجموعة قصصية واحدة فقط وعشرات الروايات؟، أجابت لأن القصة صعبة تحتاج إلهام وموهبة وإنها علي استعداد أن تسطر مئات الصفحات ولا أكتب قصة واحدة لأنها مرهقة.