رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف الصباغ: الزمن المقبل سيكون لصالح القصة القصيرة

أشرف الصباغ
أشرف الصباغ

رغم أنه حاصل على دكتوراه في الفيزياء النظرية والرياضية٬ إلا أن إنتاجه الأدبي متنوع وغزير بين الرواية والقصة القصيرة والترجمة عن الروسية، إنه الكاتب المترجم أشرف الصباغ٬ في هذا اللقاء يتحدث صاحب المجموعات القصصية: قصيدة سرمدية في حانة يزيد بن معاوية٬ خرابيش٬ العطش،صمت العصافير العاصية، والترجمات الروسية:نتاشا.. العجوز٬ الابتزاز الصهيوني والهم الإنساني٬ الفنون التشكيلية في جمهورية مصر العربية٬ السرد والمسرح٬ المهلة الأخيرة. وغيرها عن فن القصة القصيرة وكيف يراها.


- من كتاب القصة القصيرة الذين قرأت لهم قبل أن تكتب هذا الفن الأدبي؟
أنطون تشيخوف، إدجار آلان بو، يوسف إدريس، نجيب محفوظ، محمد جبريل، محمد مبروك مرعي مدكور، محمد المخزنجي، يوسف أبورية وإدوار خراط، وعدد من كتاب السبعينيات في مصر.

- ما الذي لفت نظرك إلي الاهتمام بالقصة القصيرة ؟ وكيف بدأت تجاربك الأولي في كتابتها؟
وجدت نفسي أكتب تجاربي الأولى أثناء السنة الأولى بالجامعة، وجدتُ ترحيبا بهذه التجارب الأولى من جانب الأصدقاء، بعض المثقفين والنقاد الذين شجعوني على الاستمرار، وفي عام 1985، نشرت لي أول قصة قصيرة في مجلة "القاهرة" بعنوان "ملخص ما نشر عن سلمى". وكنت أقضي فترة الخدمة العسكرية آنذاك.

- هل قرأت شيئا عن أصول هذا الفن القصصي؟
أعتقد أنني قرأت في نقد القصة القصيرة، طرق كتابتها وتاريخها، وحول الأسماء التي كتبتها، أكثر من قراءاتي في القصة القصيرة نفسها.

- ما الذي يجعلك تختار إطار القصة القصيرة للكتابة دون غيره من أطر التعبير الأدبي؟
طبيعة الموضوع هي التي تقود الكاتب إلى الشكل والحجم، وفي الحقيقة لم يكن لدىَّ ذلك النَفَس الطويل للبدء بكتابة الرواية على سبيل المثال،فقد كانت بداياتي متوائمة ومتماشية ومتصالحة مع القصة القصيرة شكلا وموضوعا، وإذا توخينا الدقة، فأنا كنتُ مفتونا بالكتابة الدرامية، وبدأتُ بكتابة نصوص مسرحية أثناء دراستي الجامعية لكني أقلعت بسرعة.

- ما الذي تهدف القصة القصيرة عندك ؟ وهل تتمثل قارئك وأنت تكتب؟ ومن قارئك؟
كل قصة عندي قائمة بذاتها من حيث الشكل، بمعنى أنني في المجموعات الأربع التي نشرتها، تراوحت قصصي ما بين المائتي كلمة وبين الخمسة آلاف كلمة. ما يعني أننا هنا بصدد إرسال رسائل مختلفة ومتفاوتة إلى القارئ، وإيصال حالات نفسية وشعورية معينة، أو أحداث معينة من حيث التكثيف أو من حيث التفصيل. وهناك قصص كانت تنقل إلى القارئ حالة شعورية كثيفة للغاية، وأخرى عبارة عن أحداث وكأنها رواية طويلة.

أما بخصوص القارئ، فأنا من شدة حبي له واحترامي لمشاعره وأحاسيسه، أحاول أن لا أتمثله أو أتوجه إليه بأي مواعظ أو تنبيهات أو نصائح، أفضل أن لا تكون بيني وبين القارئ أي علاقة مباشرة، ومن ضمنها أن أتوجه إليه مباشرة أو أتخيل من هو.

- ما مدي الزمن الذي تستغرقه كتابتك لإحدي القصص القصيرة؟
هذا السؤال سأله لي أحد أصدقائي الكبار، عام 1989، بعد نشر مجموعة "قصيدة سرمدية في حانة يزيد بن معاوية"، مجموعة "خرابيش"، يومها قلت له إن القصة تستغرق زمن كتابتها، فاندهش كثيرا وسألني: "هل تعني أنك تفكر فيها وفي تفاصيلها لساعات وأيام وربما لأسابيع، ثم تجلس لتكتبها؟!" فقلت له مؤكدا: "لا. أحيانا تخطر الفكرة في رأسي، فأجلس وأكتب القصة في نفس واحد. والقصة عندي تنتهي بمجرد أن أصل فيها إلى نهاية فكرتي". إنني أتذكر هذا الحوار، لأنني بعد سنوات طويلة، بدأت أواجه مصاعب في الكتابة، واكتشفت أن القصة تأخذ مني وقتا طويلا. وهذا ما حدث في المجموعتين الأخيرتين.

- هل استطعت من خلال ممارستك لكتابة القصة القصيرة أن تستخلص لنفسك بعض العناصر الحرفية التي تسعفك عند الكتابة؟
هذا أمر يحدث بشكل تلقائي. وأعتقد أن هناك ضرورات لانتقاء الكلمات والتعبيرات، واختيار لحظات التكثيف. واسخدام الخبث مع الشخصيات ومراوغتها. وإجراء حوارات جانبية مع كل شخصية، أو وضع نفسي مكان هذه الشخصية أو تلك.

- هل تهتم في كل قصة تكتبها بأن يكون لها مغزي بالنسبة للأوضاع الاجتماعية المعاصرة؟
لا أهتم كثيرا، أعشق التفاهة والتفاصيل المضحكة، وأركز على التناقضات الحادة في السلوكيات والتصرفات لأخرج بأكبر قدر من الضحك والسخرية، أعشق أيضا الألفاظ البذيئة ودلالاتها الشعبية والميثولوجية والنفسية وعلاقتها بالذكاء واليقظة والتوتر، وأستخدمها كثيرا في قصصي القصيرة.

- كيف يكون مدخلك إلي القصة القصيرة؟ وهل يتجه اهتمامك إلي الحدث أم إلي الشخصية؟
كل قصة ولها خصوصيها وظروفها وشروطها. وكل قصة ولها شكلها وجوهرها، وبالتالي، لها مدخلها. أنا لا أستطيع أن أفصل الحدث عن الشخصية، ولا الشخصية عن الحدث أو الجو النفسي العام للقصة. أفضل التعامل مع عناصر القصة كوحدة واحدة متكاملة.

- هل تعين الزمان والمكان للحدث (أو الأحداث) التي تتضمنها القصة القصيرة؟
أحيانا تكون القصة بحاجة لتعيين الزمان أو التاريخ لهدف معين، ولنقل مثلا للتركيز على دلالات بعينها أو تأصيل قيمة معينة. وأحيانا يلعب تحديد المكان دورا مهما في إيصال الفكرة الرئيسية، أو على الأقل يغمز من بعيد على شيء بعينه. وفي أحيان كثيرة، يمكن أن يلعب غياب الزمن والمكان دورا مهما في نقل أحاسيس أو مشاعر محددة، أو فكرة عامة وكونية، أو رغبة إنسانية عامة.

- إذا كنت قد انصرفت عن كتابة القصة القصيرة إلي غيرها من الأجناس الأدبية، فمتي حدث؟
لا أستطيع أن أقول إنني انصرفت عن كتابة القصة القصيرة بالضبط على الرغم من أنني اتجهت إلى كتابة الرواية، ولدىَّ أربع روايات. هناك حالة من التوازي في كتابة القصة القصيرة والرواية. وفي الحقيقة، فقد نشرتُ ثلاث مجموعات تباعا. وبعد ذلك بحوالي 15 عاما نشرتُ المجموعة الرابعة. وهذا أيضا ما حدث مع الروايات، حيث نشرتُ روايتي الأولى، ثم توقفت لسنوات. وبعد ذلك نشرت ثلاث روايات تباعا. ظروف الحياة والبحث عن الرزق، وطبيعة العمل، كل هذه الأمور تتحكم بشكل مرعب في حركة الكتابة وفي خريطتها الزمنية لدى الكاتب.

- كيف تري مستقبل هذا النوع الأدبي؟
مستقبل القصة القصيرة جيد. بل أكثر من جيد، وأعتقد أن الزمن المقبل سيشهد فترات طويلة لصالح هذا الجنس. وستكون هناك قفزات نوعية فيها من حيث الشكل والمضمون والموضوعات والتيمات، أنا متفائل بخصوص هذا الجنس الأدبي المهم والفعَّال والمؤثر، أتمنى أن يحدث ذلك، لأنني أحب هذا الجنس، وأكتبه باستمتاع شديد، سواء كانت القصة عدة كلمات أو أسطر أو نصف صفحة أو عشرين صفحة.