رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سليمانى والحرس الثورى


استدعى حادث اغتيال الإيرانى قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس بالحرس الثورى، الذى لقى مصرعه مؤخرًا فى غارة أمريكية ببغداد، أن أتذكر جانبًا من زيارته البلاد إبان عهد جماعة الإخوان الإرهابية، حيث كان الهدف منها نقل فكرة إنشاء كيانات أمنية وعسكرية موازية للشرطة والقوات المسلحة المصرية، وذلك لحماية أهداف ومكتسبات الجماعة وتمكينها من السيطرة على مفاصل الحكم بالبلاد على غرار الحرس الثورى الإيرانى، الذى كان يتولى قيادته والإشراف عليه فى إيران.
فى أعقاب أحداث يناير ٢٠١١، وبدء ظهور أطماع جماعة الإخوان فى حكم البلاد، حاولت الجماعة اختراق أجهزة الشرطة بأى وسيلة، وكان لديها استعداد للتحالف حتى مع الشيطان لتحقيق مآربها إلا أنها فشلت فى ذلك، لعدم تمكنها، آنذاك، من إيجاد كوادر تدين لها بالولاء من رجال الشرطة.
ومن هنا جاءت فكرة تطبيق النموذج الإيرانى بحسبانه الأقرب والأسرع فى التطبيق، وبناء عليه تم توجيه الدعوة للإيرانى قاسم سليمانى الذى كانت له اليد العليا فى تأسيس الحرس الثورى الإيرانى، بعد تولى المرشد الأعلى الإيرانى آية الله على خامنئى مقاليد عرش النظام الإيرانى باعتباره القائد الثانى للثورة الإيرانية، وفقًا لما ينص عليه دستور نظام «ولاية الفقيه» فى أعقاب وفاة المرشد الأول «الخُمينى»، حيث وصل للبلاد ضمن مجموعة سياحية إيرانية بأسماء مستعارة، وعقد عدة لقاءات مع كل من خيرت الشاطر وعصام الحداد ومحمد البلتاجى والراحل فريد إسماعيل، الذى كان يشغل نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب آنذاك، وكان الوفد الإيرانى يضم ٤ من قيادات الحرس الثورى الإيرانى، وعقدت تلك الاجتماعات بمقر جماعة الإخوان بمنطقة المقطم خلال شهر أبريل ٢٠١٢، وقد رصدت الأجهزة الأمنية تلك الزيارة منذ بدايتها، وقام كل جهاز من تلك الأجهزة بدوره فى عملية الرصد والتصوير، وفى أعقاب انتهاء الزيارة صدرت تعليمات بعدم قبول مجموعات سياحية إيرانية أخرى إلا بموافقة تلك الأجهزة.
خلال تلك الزيارة تم تكليف محمد البلتاجى، بصفته مسئول الجماعة لوزارة الداخلية، بعقد اجتماعات مع بعض ضباط الشرطة الذين كانوا يعتقدون بحسن نوايا الجماعة، وجميعهم من الرتب المتوسطة والصغيرة «مقدم حتى النقيب»، وحاول إقناعهم بتشكيل لجنة وائتلاف منهم لدعم وجود الجماعة وتأييد ممثلهم حال تقدمه لانتخابات الرئاسة، وكان يقصد المهندس خيرت الشاطر، إلا أنه فشل فى ذلك.
أسفرت زيارة الوفد الإيرانى عن الاتفاق بقبول عدد ٢٠٠٠ خريج من الكليات والمعاهد الرياضية، وأيضًا كليات الحقوق، وجميعهم من أبناء وأقارب عناصر جماعة الإخوان كنواة مبدئية لهذا الكيان تحت إشراف رئيس أكاديمية الشرطة، الذى تم تعيينه فيما بعد مستشارًا أمنيًا للرئيس محمد مرسى عقب توليه الحكم، وفى هذه الأثناء أيضًا تم قبول عدد ٧٧ طالبًا من الحاصلين على الثانوية العامة من أبناء عناصر الإخوان للالتحاق بكلية الشرطة.
كان الهدف من البدء بهذا العدد المحدود نسبيًا هو سرعة تدريبهم وتخرجهم خلال ٦ أشهر، تزيد بعدها إلى عام دراسى كامل، ثم تتم إعادة هيكلة جهاز الشرطة ليقتصر دور الضباط الموجودين به فعليًا على أعمال المرور والأمن العام والمصالح والإدارات المرتبطة بالجماهير كالجوازات والأحوال المدنية، وتصاريح العمل، فى حين يتم تعيين الذين تم اختيارهم بمعرفة الجماعة فى الحراسات الخاصة والتأمين والأمن الوطنى تمهيدًا لإحلالهم محل العاملين به فى هذا الوقت، مع نقل تبعيته إلى رئاسة مجلس الوزراء مباشرة وفصله عن وزارة الداخلية. رفض السيد وزير الداخلية، آنذاك، تلك الفكرة فى مهدها، وقام عدد كبير من ضباط الشرطة بعقد لقاءات متعددة بنادى الشرطة، حيث اعترضوا على فكرة إعادة هيكلة جهاز الشرطة، وهو الأمر الذى ترتب عليه إرجاء تنفيذ هذا المخطط حتى يتمكن الإخوان من تولى الحكم والتمكن من مفاصل الدولة.
تجدر الإشارة هنا إلى أن السيد المستشار الجليل عزت خميس، رئيس لجنة إدارة أموال الإخوان، قد ذكر فى مؤتمر صحفى عام ٢٠١٦ أن إيران وبموافقة الإخوان حاولت التقرب من مصر عن طريق ضخ ١٠ مليارات دولار فى البنك المركزى كوديعة، بالإضافة إلى إمدادها بالمواد البترولية اللازمة. كما عثر بمقر جماعة الإخوان فى المقطم على الوثائق والمستندات والخطط التى وضعها سليمانى مع قيادات الجماعة لإنشاء جهاز أمنى إخوانى غير معلن هويته الحقيقية يتبع لرئاسة الجمهورية مباشرة وبمساعدة إيرانية.
فى أعقاب تولى جماعة الإخوان حكم البلاد قام محمد البلتاجى بجولات فى بعض المحافظات، حيث كلف كوادر الإخوان بانتقاء العناصر الحاصلة على ليسانس الحقوق والتربية الرياضية لترشيحهم للانضمام لكلية الشرطة خلال شهر يونيو ٢٠١٢، إلا أن جميع الأجهزة السيادية الوطنية رصدت ورفضت تلك المحاولات، ما أدى إلى وأدها فى مهدها- لحين السيطرة والتمكين اللذين كانت الجماعة تحاول القيام بهما على معظم مفاصل الدولة، فقام عقب ذلك بالتخطيط لإعادة هيكلة أجهزة وزارة الداخلية مستندًا إلى الأغلبية البرلمانية لجماعة الإخوان فى مجلس النواب، حيث بدأها بإعادة النظر فى تشكيل المجلس الأعلى للشرطة، وتمت مناقشة الفكرة بمقر مكتب المحامى الإخوانى جمال حنفى بمنطقة عابدين، الهارب حاليًا خارج البلاد، على أن يتم عرضها من خلال لجنة الدفاع والأمن القومى برئاسة اللواء عباس مخيمر، وكانت تتضمن أن يكون هناك ٤٠٪ من أعضاء المجلس من المدنيين والحقوقيين والشخصيات العامة يتم اختيارهم من قبل مجلس النواب، وكان من بينهم صفوت حجازى ومحمد البلتاجى وأسامة رشدى وعبدالمنعم عبدالمقصود ومحمد زارع ومحمود غزلان ومحمد طوسون.. وبذلك يضمن الإخوان السيطرة الكاملة على مفاصل المجلس الأعلى للشرطة.
بالإضافة إلى إلغاء قطاع الأمن المركزى، وهو ما يشير إلى التأهب لتطبيق فكرة الحرس الثورى فى مصر، ويكون تابعًا لإشراف لجنة عليا للأمن القومى، إلا أن قرار حل مجلس الشعب ذى الأغلبية الإخوانية قضى على آمال وطموحات تلك الجماعة، وقبل ذلك كان تصدى الرجال الشرفاء من الشرطة والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى لتلك المحاولات حائلًا قويًا دون تحقيق تمكين الجماعة من تحقيق حلمها.
وهكذا يسطر التاريخ موقفًا بطوليًا أسهم فيه جميع أجهزة الأمن المصرية فى إحباط الحلم الإخوانى، وقد يكشف المستقبل القريب عن الدور الذى قام به كل جهاز من تلك الأجهزة للحفاظ على أمن واستقرار الوطن من خطرى الإرهاب والتقسيم اللذين كانت الجماعة تسعى إلى تطبيقهما للسيطرة على حكم البلاد وترويع العباد.
وتحيا مصر.