رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لايصين كومبليتلى


«لايصين كومبليتلى يا على».. دى جملة قالها واحد مصرى، لـ أخوه المصرى برضه، فى حوار خاص بينهم، حيلو! لغويًا، كيف أنتج مخ محمد البرادعى هذه الجملة؟
هـ تحصل خناقة كبيرة جدًا، على استخدام كلمة «كومبليتلى»، اللى هى إنجليزية قاموسًا وصرفًا ونحوًا، ناس هـ تهاجم وناس هـ تدافع، وناس هـ تقف جون، وناس هـ تقول كدا مش بـ يتكلم «صح»، وناس هـ تقول لأ تمام، فـ الكلمة دى محتاجة رغى كتير، سيبك منها.
خليك فى «لايصين»، أظن دى كلمة «مصرية» صميمة، بـ يستخدمها أى حد فى أى وقت وأى مكان، جت إزاى كدا؟
بص يا سيدى، دلوقتى فيه تعبير إنجليزى معروف «I am lost» يعنى أنا ضعت، تُهت، ما بقيتش عارف كوعى من بوعى، يعنى عندنا كلمة جاية من القاموس الإنجليزى.
قوم إيه، المصريين استخدموها: «أنا لُصت»، لكن لما جم يصرفوها، «كدا دخلنا على المستوى الصرفى» خدوا من القالب العربى صيغة، اللى هى زى: قال وكان وراح وزار «بـ يسموه الفعل الأجوف»، وصرفوها بكل التصريفات: لاص، يلوص، لايص، لايصة، لايصين. يعنى كدا، بقت كلمة من القاموس الإنجليزى، متصرفة فى قالب عربى، لكن لما جينا نحطها فى الجملة، ما مشيتش حسب النظام الإنجليزى، ولا حسب النظام العربى، لو عملناها إنجليزى، كان لازم نحط الـ«سابجكت» الأول: «هم» لايصين يا على، ولو عملناها عربى: كان لازم نديها علامة الإعراب «لايصون» كومبليتلى يا على. إحنا لا عملنا كدا ولا كدا، إحنا مشينا على نمط مصرى، وهو حذف الضماير وإلغاء علامات الإعراب، فـ بقيت «لايصين»، يعنى، كلمة إنجليزية قاموسًا، عربية صرفيًا، مصرية نحويًا. إيه أصل التعبير دا؟ إنجليزى وعربى ومصرى، يعنى هى كلمة «عربية» ولا لأ؟
يا صديقى، هى كلمة «مصرية»، نتجت من تزاوج عدة لغات، علشان تبقى فى الآخر، حاجة مستقلة تمامًا، هى اللغة المصرية الحديثة، مش بس الكلمة دى، هات أى كلمة، أى جملة، أى حاجة بـ نقولها، أو أى حاجة أى حد بـ يقولها فى العالم، هـ تلاقيها كدا. اللغات طبيعتها كدا، وتطورها لا يتوقف، التطور مش بـ نلاحظه وقتى، لكن كل لغة بـ تفرق سنة بعد سنة، جيل بعد جيل، وتفضل تاخد من دا، وتاخد من دا، وتتأثر بـ دا، وتأثر فى دا، زى حكاية أحمد ومنى بـ الظبط بـ الظبط. لو إنت عايز الدقة، مفيش حاجة اسمها «اللغة العربية»، مفيش حاجة اسمها «اللغة المصرية»، مفيش حاجة اسمها «اللغة الإنجليزية»، مفيش حاجة اسمها «اللغة الأسبانية»، كل دى تعبيرات إجرائية، علشان نقدر نمسك الزفلطة اللى حاصلة دى. إنما الدقيق: «لغة أهل القاهرة سنة ٢٠٢٠»، «لغة قرية التمساحية سنة ١٩٨٠»، «لغة كاتالونيا سنة ١٩٦٠». بس كدا، هـ يبقى تقريبًا مستحيل ندرس أى لغة. لا طبعًا مش مستحيل، العالم، لما لقى حكاية أحمد ومنى معقدة، مش بس أحمد ومنى، دا كل الكائنات الحية كدا، أسس علمًا اسمه «علم الوراثة»، بـ يشتغل على تصنيف الكائنات والسلالات، والصفات الوراثية، ولقى إنه يقدر يتتبع الحاجات، مش كل الحاجات صحيح، لكن نقدر نعرف حاجات كتير، بـ شرط، نستوعب إن الحكاية معقدة ومركبة. مفيش حاجة اسمها «الأصل»، مفيش ثنائية فصحى عامية، مفيش ثنائية لغة لهجة، أو لسان لغة لهجة لكنة، كل دى تعبيرات مجازية لـ تقريب المسائل، مالهاش حدود فاصلة، ولا مقاييس صارمة، ولا قواعد جامدة، بس الحكاية برضه مش بسيطة كدا، ولا سايبة خالص، فـ خلينا نمسك «اللغة العربية» نفسها، ونتتبعها مع الزمن علشان نطبق اللى إحنا قلناه. بس دا أكيد مش فى المقال دا، خلينا لـ المقال الجى.