رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جامعة الدول العثمانية


كان البعض يظن أن مجلس الجامعة العربية، الذى اجتمع فى الأسبوع الماضى على مستوى المندوبين الدائمين، بدعوة من مصر لمناقشة التطورات على الساحة الليبية، يمكن أن يصدر قرارات تاريخية، تبدأ بإدانة المجلس الرئاسى، الذى يترأسه فايز السراج، أو يسحب الاعتراف بحكومة الوفاق غير الشرعية، لأنها دعت تركيا لاحتلال بلدها، ولكن بعض الظن إثم، وفى حالة الجامعة العربية وليبيا فإن كل الظن إثم وليس بعضه. ولذلك فقد جاء البيان الصادر عن الاجتماع إنشائيًا وضعيفًا، لأن الجامعة العربية تعبر عن مواقف الحكومات، وليس عن مواقف الشعوب العربية، التى تغلى من وقاحة هذا الأحمق المعتوه، الذى يتحدث علنًا عن رغبته وسعيه لاحتلال بلدان عربية وأولها ليبيا لاستعادة دولة الظلم العثمانية، ويتمادى فى عدوانه لأنه يعلم أن الدول العربية وجامعتها لن تتخذ موقفًا قويًا تجاه هذا الأمر،
وهو أيضا يعرف أن هناك دولًا عربية لا ترفض التدخل التركى فى ليبيا!.
ولأن اللعب أصبح- فيما يبدو- على المكشوف، فقد خرج محمد سيالة، وزير خارجية ما تسمى حكومة الوفاق، بعد اجتماع الجامعة العربية ليعبر علنا «عن تقديره لدولتى قطر والسودان ووزراء خارجية دول المغرب العربى (تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا) على موقفهم الداعم لليبيا فى اجتماع الجامعة العربية».
ولأن أيًا من هذه الدول لم تكذب الوزير الليبى ولا البيان الصادر عن وزارته، فليس أمامنا إلا أن نبتلع صدمتنا وألمنا، وأن نصدق أن هناك ست دول أعضاء فى جامعة الدول العربية تؤيد الحكومة غير الشرعية التى استدعت «الأحمق العثمانى» للدخول إلى ليبيا، وهى تعلم أن هذا- إن حدث- فإن ليبيا ستكون المحطة الثانية من غزواته فى العالم العربى بعد سوريا، وقد تصبح هناك محطات تالية بمباركة من دول أعضاء بالجامعة العربية.
والحقيقة أن هذه المواقف لم تعد مستغربة من مندوبى بعض الدول العربية فى اجتماعات الجامعة، ففى آخر اجتماع للمجلس على مستوى المندوبين لمناقشة الوضع فى سوريا سمعنا مندوب الصومال يشيد بتركيا «الغازية»، لأنها تدعم وتدرب وحدات من جيش بلاده، ونحن نعلم أن هناك دولا بعينها كانت وراء تجميد عضوية سوريا فى الجامعة العربية رغم أنها عضو مؤسس بها، ورغم أن إحدى هذه الدول التى ضغطت بقوة لتجميد عضويتها «وهى قطر» استقلت بعد تأسيس الجامعة العربية بربع قرن!! ونعلم أيضا أن هذه الدويلة وغيرها باركت توجيه الناتو لضربات عسكرية لليبيا، وإقامة مناطق حظر جوى أمام طيران الجيش الليبى عام ٢٠١١، مما أدى لسقوط القذافى، وسقوط ليبيا كلها فى قبضة الدواعش والإخوان ومن هم أضل سبيلا.. وها نحن نرى اليوم نفس الدولة وغيرها تؤيد تحت سقف الجامعة حكومة غير شرعية تستدعى المستعمر، فعن أى عروبة تحدثونا؟!!.
ولهذا فأعتقد أن أى عربى يعتز بعروبته ويخلص لها قولًا وفعلًا، لا بد أن يتوقف قليلًا ويتساءل: ما جدوى استمرار الجامعة العربية بصورتها الحالية؟ هل هى- كما نتمناها- مؤسسة للعمل العربى المشترك.. أم مؤسسة لتعزيز الفرقة والانقسام ولممارسة الضغوط واستعراض النفوذ من دول تشترى المواقف بالمال، وتنفذ أجندات ترسمها دول كبرى لهدم البيت العربى من الداخل؟!. إن هذه التساؤلات لا تعنى الإساءة لهذا الصرح الكبير، الذى شهدت غرفه وقاعاته فى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات مواقف مجيدة من أجل العمل العربى المشترك، وهى جامعة قدمت لنا نماذج مشرفة من الدبلوماسيين العرب ومن الأمناء العامين، الذين آمنوا بعروبتهم وعملوا من أجلها، ونحن نحترم أيضا كل العاملين بها والذين تقيدهم قوانين وقواعد العمل بالجامعة، فى ظروف متردية على الساحة السياسية العربية وتجعل أياديهم مغلولة عن أداء رسالتهم الحقيقية.
لهذا كله يجب أن نتصارح ونسأل أنفسنا عن جدوى استمرار العمل فى الجامعة العربية، فى ظل قواعد بالية تحول دون استمرارها كبيت للعرب والعروبة.
ليس عيبًا أن تصاب بداء عضال، ولكن العيب- والحماقة- أن ترفض التداوى وأنت قادر على ذلك.
أفخر أننى-ومعى ملايين- من أبناء جيل يعتز بعروبته، وبجامعته العربية، ويتذكر عطاءها، ولكنى أشفق على أبناء الجيل الحالى، الذين لم يروا من هذا الصرح الكبير سوى مواقف ضعيفة، بعضها شديد الخزى مع الأسف.
والسؤال الآن: ماذا ننتظر من أجل خطوة تغيير شجاعة لإنقاذ «بيت العرب» من التصدع والانهيار، ماذا ننتظر بعد مباركة دول عربية للتدخل العثمانى فى سوريا وليبيا، هل ننتظر أن يأتى اليوم الذى يصف فيه أبناء الجيل الحالى الجامعة العربية بأنها قد أصبحت جامعة الدول العثمانية؟!.