رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عالج مخاوفك بحسن الظن بالله «2»


الإنسان مُطالب فى كل شئون حياته وفى أمور دينه وعبادته بأن يأخذ بالأسباب، وهو فى ذروة سعيه واجتهاده لتحقيق ذلك لا ينبغى أن يغيب عن وعيه وإدراكه أن كل شىء مرهون بقدرة الخالق، وذلك مرده إلى حسن الظن بالله، والثقة فيه بأنه لن يخيّب رجاءه.
وهو فى ذلك يمتثل لأمر النبى، صلى الله عليه وسلم، بأن نحسن الظن بخالقنا فى كل أحوالنا، وكما قال فى الحديث الذى رواه عنه أبوهريرة: «يقول الله تعالى: (أنا عند ظن عبدى بى)».
الإنسان وهو مقبل على الموت يجب عليه أن يحسن الظن بربه، حتى ينجيه الله مما يخاف، مهما تعاظمت ذنوبه، فأنت مقبل على العفو الغفور.. يقول سهل القطعى، رحمه الله: «رأيت مالك بن دينار رحمه الله فى منامى، فقلت: يا أبا يحيى ليت شعرى، ماذا قدِمت به على الله عز وجل؟ قال: قدمت بذنوب كثيرة، فمحاها عنى حسن الظن بالله».
انظر كيف يفعل حسن الظن بالله بصاحبه، يغفر له فيما أخطأ وما ارتكب من معاصٍ وذنوب.. يقول جابر بن عبدالله: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قبل موته بثلاثة أيام يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل».
والنبى، صلى الله عليه وسلم، حين دخل على شاب وهو فى لحظات الموت، قال: «كيف تجدك؟»، قال: والله يا رسول الله إنى أرجو الله، وإنى أخاف ذنوبى، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمعان فى قلب عبد فى مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمَنه مما يخاف».
وقصة «وحشى»، قاتل «حمزة»، تحمل فى طياتها العديد من المعانى والعبر العظيمة فى حسن الظن بالله، وأنه على الإنسان مهما بلغ من ذنوب ألا يفقد الثقة فى عفو ربه، ما دام قد أقبل عليه تائبًا، نادمًا، مستغفرًا.
فقد أخذ «وحشى» يسأل نفسه بعد قتله عم الرسول: هل لى من توبة؟، هل يغفر الله له ما مضى بدخوله الإسلام؟ فنزلت آية: «إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا».
فلما سمع الآية، قال: لعلى لا أدخل فى المشيئة، فنزلت آية: «إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا».
فلما بلغت وحشى قال: ومن يدرينى أنى أعمل صالحًا؟ حتى نزلت آية: «قُلْ يَا عِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»، فقاول وحشى: هذه نعم، ثم ذهب إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، معلنًا إسلامه.
ومما روى عن الزبير بن العوام أنه قال لابنه عبدالله، رضى الله عنهما: «يا بنى إن عجزت عن شىء من دينى فاستعن عليه مولاى»، قال عبدالله: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبت من مولاك؟، قال: الله، قال: فوالله ما وقعت فى كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه، فيقضيه.