رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الحديني: القصة القصيرة جدًا جنس أدبي باق لا أظنه سيندثر

محمد الحديني
محمد الحديني

رغم فوزه بجائزة الدولة التشجيعية 2019 عن مجموعته القصصية القصيرة "لا أحد هناك"، أعلن الكاتب محمد الحديني، أنه لن يكتب هذا اللون الأدبي مرة أخري، فلم يعد لديه جديد يقدمه فيها، وفي لقائه بـ"الدستور" تحدث عن فن القصة القصيرة، والمؤثرات التي أثرت عليه فأتجه إلي كتابتها، في حوار حول هذا الفن وشجونه.


ــ لماذا قلت إنك لن تكتب القصة القصيرة جدًا مرة أخرى؟
* لأنني أصدرت أربع مجموعات قصصية نُشرت معظم نصوصها في مجلات وجرائد ومواقع إلكترونية، كما وفقت في الحصول على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب، إضافة إلى إدراج دراستين في إحدى مجموعاتي وهي "خارج أضلاع الدائرة" في كتابيين نقديين صدرا بالعراق والمغرب أعدتهما الدكتورة أمل الأسدي٬ الدكتور مسلك ميمون، كما تمت الاستعانة بكل مجموعاتي في رسالة ماجستير أعدتها الباحثة والناقدة أميرة عبدالشافي، تمت مناقشتها في أغسطس الماضي بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وكان عنوانها "القصة القصيرة جدًا في مصر"، لذا أرى أنه لم يعد لدي جديدا أقدمه ولا أطمح في أكثر من ذلك.

ــ كتاب قصة قصيرة قرأت لهم قبل أن تكتب هذا الفن الأدبي؟
* قرأت لعدد من المبدعين منهم على سبيل المثال وليس الحصر: يوسف إدريس وإبراهيم أصلان ومحمد المخزنجي ومنير عتيبة وكمال العيادي وتشيكوڤ وهيمنجواي ودوستوڤيسكي وإدجار آلان پو وأوجستو مونتروسو وآخرون.

ــ ما الذي لفتك إلي الإهتمام بالقصة القصيرة جدا؟ وكيف بدأت تجاربك الأولي في كتابتها ؟
*بالتأكيد الإيجاز والاختزال والابتعاد عن الإسهاب المخل والتفاصيل الزائدة المملة، تجربتي الأولي مع القصة القصيرة جدا كانت في مثل هذه الأيام منذ ست سنوات، عبارة عن نص قصير جدا كتبته مباشرة بعد حُلم استيقظت على أثره، وقد حدث أن عرضت هذا النص على صديقة تعمل أستاذا للأدب وكانت دهشتي أن لاقى استحسانها وهي أول من نبهني إلى وجود هذا الفن على منحنى الإبداع الأدبي، إن جاز التعبير، وبعدها بدأت الاطلاع على بعض نتاج هذا الفن خصوصا في المغرب العربي وأسبانيا وأمريكا اللاتينية.

ــ هل قرأت شيئا عن أصول هذا الفن القصصي أو طرائق كتابته ؟
*مررت بعيني سريعا على بعض الدراسات النقدية وربما جاء ذلك خشية أن أقع تحت طائلة الحدود والمواصفات والقواعد وهو أمر أحاول تجنبه قدر المستطاع كي أبتعد عن القولبة والنمطية، لكنني كنت دائم القراءة لمعظم إسهامات كتابه المنشورة باللغتين العربية والإنجليزية على مختلف المواقع والمدونات الإلكترونية فضلا عن الكثير من النصوص المترجمة عن الإسبانية.

ــ ما الذي يجعلك تختار إطار القصة القصيرة جدًا للكتابة دون غيره من أطر التعبير الأدبي؟
*إيقاع الحياة اللاهث والتغيرات المجتمعية والسياسية تقتضي نمطًا سريعًا في التعبير، كذلك زئبقيتي وتقلب حالتي المزاجية جعلت نفسي قصير جدًا في الكتابة ومن ثم هويت كتابة القصة القصيرة جدًا.

أما عن إمكانية النشر، فعلى جانب النشر الإلكتروني، فالقصة القصيرة جدًا هي الأكثر ملائمة للنشر على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة على موقع تويتر الذي لا يسمح إلا بعدد معين من الكلمات. أما على جانب النشر والتسويق الورقي، فبصراحة فالقصة القصيرة جدًا ليست ناجحة في هذا الأمر حتى الآن لعدة أسباب منها: نظرة بعض النقاد لها كجنس أدبي يعتبرونه دخيلا على الأدب وربما من الأسباب التي عمقت هذه النظرة هي استسهال بعض الكتاب لهذا الجنس الأدبي رغم أنه أصعب الأجناس الأدبية كتابة وهذه مفارقة في حد ذاتها.

ــ ما الذي تهدف القصة القصيرة جدا إلي توصيله للقارئ؟ وهل تتمثل قارئك وأنت تكتب ؟ ومن قارئك ؟
* القصة القصيرة جدا عبارة عن مشهد كامل قد يكون حُلما أو انعكاسا لموقف حياتي مررت به وقد تكون خيالا خالصا وقد تكون لوحة تختزل تفاصيلا معقدة تقتضي من القارئ التفكير والتأويل. أعلم أن معظم من قرأ لي يأخذ على نصوصي الإغراق في الخيال والغرائبية وربما الغموض أحيانا ولذلك تحتاج قارئا يدقق ويمعن النظر والتفكير، على حد قولهم. ولكنني بالفعل لا أقصد ذلك ولا أتعمده هو أمر يحدث رغما عني وحقيقة حاولت واجتهدت أن أعالجه في آخر مجموعتين لي وربما حالفني بعض التوفيق.

ــ كيف يكون مدخلك إلي القصة القصيرة ؟ وهل يتجه اهتمامك إلي الحدث أم إلي الشخصية؟
* أحيانا يكون الحدث هو المحرك وأحيانا أخرى يكون البطل وأحيانا يكون الإثنان معا، فلكل نص استقلاليته ومدخلاته. ومن ثم يقع على عاتقي أن أصيغ هذه المكونات وأجعلها تتفاعل في نص أجتهد جدا ألا أجعله تقليديا.

ــ هل تري فيما أنجزت من قصص قصيرة جدا أنه يمثل مراحل تطور متعاقبة؟

* لا خلاف، فالتراكمية والتطور أمران محمودان عند أي كاتب وأظن أنهما حدثا لي على مدار مجموعاتي الأربعة. وأظن أيضا أنه لو أتيحت لي الفرصة لمراجعة ما كتبت، سأعدل وأعيد الصياغة مجددا ومجددا.

ــ إذا كنت قد انصرفت عن كتابة القصة القصيرة جدا إلي غيرها من الأجناس الأدبية فمتي حدث ولماذا ؟
* هذا ما حدث فعلا، فانصرافي كان للشعر وتحديدا إلى قصيدة النثر ولذلك كان كتابي الأخير، الصادر حديثا، ديوانا شعريا تقدمت به إلى جائزة محمد عفيفي مطر للشعر ووصل إلى قائمتها القصيرة.
وانصرافي هذا حدث قبل فوزي بجائزة الدولة التشجيعية بعام ونصف تقريبا وذلك لأنني رأيت في قصيدة النثر براحا وفضاء وخروجا عن المألوف والتقليدي، أيضا رأيت أنه آن الأوان أن أطرق بابا جديدا. هذا الأمر استرعى انتباه البعض الذين رأوا أن هذا التحول كان غريبا فالطبيعي أن يتحول الشاعر إلى القصة أو الرواية ولكن يبدو أن العكس حدث معي وهو أمر تم رغما عني.

ــ كيف تري مستقبل هذا النوع الأدبي ؟
* القصة القصيرة جدا جنس أدبي مستقل وقائم بذاته مثل الإجناس الأخرى وأظنه بدأ يرسخ نفسه بعد أن كتبت فيه دراسات أدبية وخصصت له جوائز وعقدت له ندوات وصالونات الثقافية، لذا هو باق ولا أظنه سيندثر طالما هناك أقلام تبدعه.