رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالرحمن الرافعى.. القومية المصرية والعصر العثمانى


تعتبر أعمال عبدالرحمن الرافعى «مؤرخ تاريخ الحركة القومية» من أهم الأعمال التى أدت إلى ترسيخ صورة معينة عن الدولة العثمانية طيلة الفترة الليبرالية التى عاشتها مصر، من إعلان استقلال مصر ١٩٢٢ إلى قيام ثورة ١٩٥٢، وربما امتد تأثيرها حتى إلى عملية التأريخ فى هذه الفترة أيضًا، وينتمى الرافعى إلى ما يمكن تسميته تجاوزًا «المؤرخين الهواة»، فثقافته الحقوقية انطبعت على طبيعة كتاباته التاريخية وأحكامه التقييمية.
على الرغم من انتماء عبدالرحمن الرافعى إلى الحزب الوطنى، وولعه الشديد بمصطفى كامل ومحمد فريد، إلا أن نظرته لتاريخ الدولة العثمانية تأتى مختلفة تمامًا عن الصورة التقليدية التى عرضنا لها عند محمد فريد، فعندما يبدأ عبدالرحمن الرافعى تأريخه للحركة القومية، يبدأ ذلك بقدوم الحملة الفرنسية ونمو «الوعى القومى» لمقاومتها متجاهلًا بذلك الفترة السابقة على الحملة، مُجمِلًا تاريخ الفترة العثمانية فى صفحاتٍ قليلة يصف فيها هذه الفترة قائلًا: «كان لنظام الحكم الذى رزحت تحته البلاد من عهد الفتح العثمانى أسوأ الأثر فى حالتها السياسية والعمرانية فقد زال عنها الاستقلال الذى كان مصدر عزها وعظمتها، وصارت مسرحًا للفتن والمشادات بين السلطات الثلاث التى تنازعت الحكم فيها، فحال ذلك دون قيام حكومة ثابتة مستقرة ترفع من شأن مصر، وتقيم العدل وتحفظ الأمن بين ربوعها، وتعنى بمرافقها، فلا غرو أن اقترن نظام الحكم بعد الفتح العثمانى بتأخر البلاد وتقهقرها وتناقص عدد سكانها، ولو قارنت بين حالتها فى ذلك العهد وحالتها من قبل حينما كانت مملكة مستقلة فى عهد الدول الفاطمية والأيوبية والبحرية والبرجية لرأيت أن البلاد قد رجعت القهقرى خطوات واسعة».
من هنا يؤكد الرافعى استقلال مصر فى أيام الدولة الفاطمية، على الرغم من أن هؤلاء كانوا غزاة أتوا من المغرب، وحتى مع إعلان التشيع فى مصر، ورفض أهل مصر السنة هذا المذهب، وعلى الرغم من أن القاهرة ظلت مدينة ملكية لا يدخلها الناس، وغيرهم، ولكنه يركز هنا على فكرة أن مصر كانت قاعدة للدولة، متناسيًا أن الدولة الفاطمية لم تقتصر أملاكها على مصر فحسب، وكذلك يطبق المعيار نفسه على الدولة الأيوبية، وأصول سادتها «الأكراد»، أو المماليك وأصولهم الشتى، إن الفكرة لديه هى مصر كقاعدة لدولة، وليست مصر كولاية كما حدث فى العصر العثمانى، إنه هنا فى الحقيقة يؤرِّخ لدولة محمد على ومشروعه مصر كقاعدة لدولة تمتد فى الشام والحجاز والسودان.
والحقيقة أن الرافعى هنا هو ابن العصر الليبرالى الذى عاشته مصر بعد ثورة ١٩١٩، وابن النزعة القومية المصرية التى أصبحت بحق الأيديولوجية السائدة آنذاك، ولهذا لم يعد يتحدث عن الدولة العثمانية مثل محمد فريد، إذ سقطت الدولة فى الحرب العالمية الأولى، وسقطت الخلافة العثمانية وألغيت فى عام ١٩٢٤، وكان «الشرق الإسلامى»، التعبير السابق، قد دخل فى عصر القوميات.