رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ياللى كرهتوا الفنون وجهلتوا محاسنها



سؤال: هل يمكن أن يكون للفن وجود لو لم يرغب الإنسان فى الحياة مرات تتجدد؟.. أعتقد أننا نحيا مع الفنون حياة ثانية.. ومع تطور الحياة تسمو فنون وتظهر فنون جديدة وتتولد مدارس فنية جديدة فى الشكل والعوالم التى يبدعها أهل الفن فنرى لها ظلًا على الأرض.
يقول «فالتر بنيامين»: «إن عصرنا هو عصر توالد الأعمال الفنية بتقنيات جديدة، فالفنون والأنواع الأدبية ضرب من الإبداع البشرى الذى يتطور بتطور الفكر، سيما وأن الفن الخلاق صورة من صور الإدراك العقلى والإنتاج الجماعى، والفنان شخص متأمل مبدع، لذا فإن الفنون تبقى فى تطور دائم، بل وتتحور إلى أنواع وتشكيلات متجددة بتغير أحوال المجتمعات ونوعيات الحياة».
لا ريب أن ممارسة الإنسان الفنون وكل أشكال وألوان وأنماط الإبداع والابتكار هى فى النهاية ممارسة ككل الممارسات الحياتية المهمة، كانت وستظل شاهدة- وعلى مرّ العصور- على تمييز الخالق نفرًا من عبيده بملكة الإضافة الإبداعية، وكما لا يمكن تجاهل مشاعر الإنسان وأحاسيسه وعواطفه ومدركاته، كذلك لا يمكن تجاهل ما يتمخض عنه من إبداعات فنية، بوصفها تجسيدًا لإنسانيته وحياته الاجتماعية.
ويمكننا أن نقول إن «نوع الموهبة» ومذاق التناول الفنى لأى عمل هو ما يميزه عن غيره من الأعمال، ويحدث هذا حينما يتحرر الفنان من قيود كثيرة تكون قد أرهقته وقتًا طويلًا قبل أن يغادرها ليكتشف نفسه، وليقدم مكنونات تلك النفس فى أعماله..
وأرى أن وظيفة الفن تتحقق عندما يُشكل الجمال ويكون لديه القدرة على صياغة رسائله، الجمال بمعناه الواسع الذى لا يقف عند حدود الحسن الشكلى، ولا ينحصر فى قالب نمطى متكرر.
وعليه، يمكن أن ينفذ المبدع بأفكاره إلى القلوب والعقول فى ظل حالة الصراع الفكرى التى يشهدها العالم الآن فيما يسمى عصر العولمة، فإن الفن أراه أخطر سلاح فى الوجود لاجتيازه محددات الزمان والمكان بشكل فاق تجاوز التصورات.
نعم، الفن إبداع، وخلق، وابتكار وحقيقة مبهجة ودقيقة، وهو عملية تتعلق بالمشاعر والأحاسيس، قبل أن تكون ذهنية وعقلية.. وعليه، فإنّ لجميع أنواع الفنون وجهًا مشتركًا واحدًا، وهو فى الحقيقة أنواع لجنس واحد، أو بعبارة أخرى: أصناف تحت نوع واحد. وإنّ ذلك النوع عبارة عن جوهر معنوى لا تدركه غير الروح الإنسانية الحرّة، دون أن تقدر على وصفه بشكل خالص.
أما تعريف وتصور وتقدير سكان أكواخ التخلف وأهل بيوت العناكب المعتمة، الذين كرهوا الفنون وما عرفوا ولا قدروا محاسنها، ورؤيتهم فنون عصرهم، فيقول ممثلهم «سيد قطب» القطب الإخوانى فى مقال له: «إن الإذاعة لا تزال تبث على الناس ما كانت تبثه من قبل الأصوات الدنسة التى ظلت تنثر على الشعب رجيعها وتكثر من عرض أشرطتها المسجلة بحجة أن الجماهير تحب هذه الأصوات».. ويتابع الكاتب، ولا يتركنا نخمن أو نتوقع، إذ يذكر بعض أصحاب تلك الأصوات، وهم: «محمد عبدالوهاب ومحمد فوزى وفريد الأطرش وعبدالعزيز محمود وليلى مراد ورجاء عبده وفايدة كامل وشهرزاد وأمثالهم» ويصب على هذا العدد من الفنانين، أقذع الصفات، مثل أنهم «مخلوقات شائهة بائسة» ويقول أيضًا: «إن هذا الطابور المترهل الذى ظل يفتت صلابة هذا الشعب ويدنس رجولته وأنوثته هو المسئول عن نصف ما أصاب حياتنا الشعورية والقومية من تفكك وانحلال فى الفترة الماضية»، ويذهب إلى أن الفنانين كانوا أخطر على الشعب المصرى من الملك فاروق ذاته، يقول: «إن فساد فاروق وحاشيته، ورجال الأحزاب ومن إليهم، لم يدخل إلى كل بيت، ولم يتسلل إلى كل نفس، أما أغانى هذا الطابور وأفلامه فقد دخلت إلى البيوت وأفسدت الضمائر وحولت هذا الشعب إلى شعب مترهل».
وقال عن محمد عبدالوهاب: «عبدالوهاب ينفث فى روعه أن الدنيا سيجارة وكأس»، وإن كان لم يذكر أم كلثوم بين هؤلاء الفنانين والفنانات، فلأنها كانت وقت كتابة المقال ممنوعة من الغناء فى الإذاعة، حيث منع ضابط أركان حرب بث أغانيها بعد ٢٣ يوليو وبمبادرة تلقائية منه باعتبارها مطربة «العهد البائد»، وقد شكت أم كلثوم من هذا المنع إلى مصطفى أمين، الذى رفع شكواها إلى جمال عبدالناصر، فأمر بإلغاء المنع موبخًا الضابط الذى فعل ذلك. وعليه، كان تأكيد الرئيس السيسى أهمية دور وزارة الثقافة فى سبيل تحقيق رسالة نشر الثقافة والفنون وترسيخ الهوية المصرية وتعزيز القيم الإيجابية داخل المجتمع فى مقابلة تجديد الثقة بالوزيرة، موجهًا سيادته بالعمل على تطوير المحتويين الثقافى والفنى، من خلال التواصل المباشر مع المواطنين، وكذا إيصال الرسالة الثقافية إلى القرى والنجوع والمناطق الحدودية، بما يسهم بالإيجاب فى استراتيجية الدولة الشاملة لبناء الإنسان المصرى معرفيًا وثقافيًا.