رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطريق إلى المنصة 1981 «5»


ومما يأخذه موسى صبرى على النبوى إسماعيل وبحق أن الذين قبض عليهم فى قرارات سبتمبر لم يكن بينهم القيادات التى اشتركت فى عملية اغتيال السادات فيمال بعد، ولا الذين اشتركوا فى أحداث محاولة الاستيلاء على مديرية أمن أسيوط.

تبين هروب 500 شخص ممن شملتهم قرارات الاعتقال، كان من بينهم عدد من الذين نفذوا حادث المنصة فيما بعد.

وهى واحدة من الأخطاء الجسيمة التى وقعت فيها أجهزة الأمن، والتى كانت تستحق عقاب القائمين عليها فى ذلك، فعلى ما يبدو أن الأسماء وضعت بطريقة عشوائية، ولم تكد لدى قوات الأمن دراية كافية بأسماء المطلوب اعتقالهم، كما قامت الصحف بنشر أسماء المطلوبين قبل القبض عليهم مما ساعد الكثير منهم على الاختفاء، فقد اكتفت أجهزة الأمن بالقبض على كبار السن والمثقفين والسياسيين المعروفين، وتركت 500 شخص من الشباب هم الذين نفذوا فيما بعد عملية اغتيال السادات وما تلاها من حوادث جسيمة كما سنوضحه.

ولو كانت أجهزة الأمن تعاملت مع الموقف لما تعرضت البلاد إلى تلك الحوادث التى غيرت سياستها وأثرت تأثيرا بالغا على اقتصادها وشبابها.

وفى يوم 9 سبتمبر عقد الرئيس السادات مؤتمرا صحفيا عالميا فى قريته ميت أبو الكوم التابعة لمحافظة المنوفية، وسأله أحد الصحفيين الأجانب عما إذا كان سيسمح للبطريرك بالتحرك للقاهرة والإسكندرية والعودة إلى مكتبه فى البطريركية فى القاهرة؟، وأجابه السادات بأنه يفضل لأن يبقى الرجل فى ديره كما كان من قبل، وقال «كما تعلمون فإننا لم نقبض عليه، وأنه فى ديره، واللجنة التى تم تعيينها وفقا لقوانين الكنيسة تؤدى عملها».

وفى حديث للرئيس السادات يوم 23 سبتمبر مع التليفزيون الأمريكى ونشرته الصحف المصرية وجه المذيع سؤالا للرئيس السادات عما إذا كان قد تم العثور على أسلحة فى بعض المساجد أو الكنائس فى عمليات القبض التى تمت، وأجاب الرئيس أنه لم تضبط أسلحة فى المساجد أو الكنائس، ولكن كانت هناك اجتماعات فقط، ولكن لا وجود للأسلحة .

أثارت قرارات سبتمبر جدلا واسعا فيما بعد، ظهر هذا من خلال تصريحات التى أدلى بها وزراء ومسئولون وقت وبعد صدور تلك القرارات، ومنهم اللواء النبوى إسماعيل -نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية- الذى قال إنه دعا إلى عقد اجتماع على مستوى قيادات الوزارة يوم 7 سبتمبر، وكان الهدف من الاجتماع هو توجيه ضربة قاضية للشيوعيين والإخوان المسلمين ورجال الأحزاب وأساتذة الجامعات والكتاب المعارضين فى وقت واحد، وتراوح عدد المقترح اعتقالهم ما بين خمسة إلى عشرة آلاف .

وفى هذا الاجتماع طبقا لما ذكره اللواء حسن أبو باشا- مساعد أول الوزير للأمن العام ووزير الداخلية بعد حادث المنصة- فإن مدير جهاز مباحث أمن الدولة أكد أنه لا توجد تنظيمات سرية تسعى إلى الحصول على أسلحة.

وبعد شهر واحد فوجئ الجميع بما حدث فى المنصة، وهذا يترجم حالة التردى الأمنى الذى وصلت إليه الأمور فى ذلك الوقت، وكانت الاعتقالات بعيدة تماما عن صلب الهيكل الحقيقى لتنظيم الجهاد الذى كان يدبر لأحداث سبتمبر.

ويدلل حسن أبو باشا على رأيه بواقعتين حدثتا فى ذلك الوقت خلال شهر سبتمبر وهما :

فى النصف الأول من سبتمبر قبض أحد رجال الشرطة على ثلاثة أشخاص يسرقون خزانة من أحد مكاتب البريد بقسم الساحل بشبرا، وعندما سئلوا أمام رئيس المباحث قرروا أنهم ينتمون إلى تنظيم ويحتاجون لأموال لشراء سلاح. وأحيل الثلاثة إلى جهاز أمن الدولة الذى قرر أن يستعين بهم كمرشدين ومصادر للمعلومات.

الواقعة الثانية تتمثل فى بلاغ قدمه أحد الأشخاص إلى مدير الأمن العام بأن آخرين قد سعوا إلى ضمه إلى أحد التنظيمات السرية وطلبوا منه تدبير أسلحة ومدافع رشاشة، وأحيل المبلغ إلى جهاز أمن الدولة، وأمكن لجهاز أمن الدولة تحديد الشخص الذى طلب الأسلحة من المبلغ وهو المقدم عبود الزمر، الذى هرب بمجرد علمه بانكشاف الأمر.

وفى حديثه لمجلة «الأهرام العربى» بتاريخ 5 سبتمبر 1998أعلن اللواء النبوى إسماعيل -وزير الداخلية- أن التفكير فى قرارات سبتمبر كان قبل صدورها بفترة قليلة حيث اتضح أن بعض التيارات اعتلت موجة المعارضة لاتفاقيات السلام، فى حين أن هذه الاتفاقية حظيت بتأييد شعبى كبير جدا، وظهرت فى الأفق حالات قلق وأن إسرائيل قد توقف عمليات السلام والانسحاب من سيناء تحت دعوى وجود معارضة من الجماهير للسلام وهذا لا يطمئن إسرائيل إطلاقا فى وجود تنفيذ أمين للمعاهدة خاصة ما يتعلق بالتطبيع بين البلدين، وقال عن قرارات سبتمبر كانت لطمأنة إسرائيل وتأكيد وجود استقرار فى الجبهة الداخلية المصرية، وقال إن أحد المسئولين فى وزارة الداخلية حين رأى تصاعد حدة النقد لاعتقال السياسيين جاء وطلب من الوزير تسريب أخبار يفهم منها أن وزارة الداخلية ليست مسئولة عن اعتقالهم، ولكن الوزير رفض بشدة، وقال إن أجهزة الأمن لا تتجزأ. وفى العدد نفسه من المجلة أعلن الوزير أنه برىءمن اعتقال السياسيين، ولكنه غير برىءمن القرارات نفسها، وقال إن بعض الأسماء والشخصيات كانت بتوصية من السادات شخصيا، وقال النبوى إسماعيل إنه عارض السادات فى بعض الأسماء .

ويقول موسى صبرى فى كتابه «السادات الحقيقة والأسطورة» إن هناك آراء أخرى تخالف ما يقوله النبوى، وأن هذه الآراء تتهم النبوى إسماعيل وأجهزته بأنه طمأن السادات لفترة طويلة، وأفهمه أن هذه الجماعات الدينية لم تتجاوز حدود الدعوة الدينية، وتجمع المؤيدين حولها، كما لم تكن لأجهزة الأمن التى تتبع النبوى إسماعيل أدنى فكرة على أنهم انتقلوا من مرحلة التجمع إلى مرحلة استخدام العنف بالسلاح لقلب نظام الحكم وفرض الحكم الإسلامى إلا فى أواخر سبتمبر، وقد سجل هذه الحقيقة حكم القضاء فى قضية تنظيم الجهاد.

والأمر طبقا للتطورات التى حدثت كان يستدعى عمل تحقيق على مستوى عال، أو قيام مجلس بتشكيل لجنة لتقصى الحقائق ومحاكمة المسئول عن تلك الكارثة التى وقعت باغتيال السادات ومحاولة إقامة حكومة إسلامية.

■ خبير أمنى وإستراتيجى