رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المحليات بين الواقع والمأمول


فى الوقت الذى انشغل فيه الرأى العام بالتعديلات الوزارية الأخيرة، وقبلها بفترة وجيزة حركة المحافظين، كانت الاستعدادات تتم لمناقشة قانون الإدارة المحلية فى جلسات البرلمان خلال الأسبوع الحالى، وذلك تمهيدًا لفتح باب الحوار حولها فى المجلس، ثم الحوارات المجتمعية قبل التصويت عليه لإقراره أو رفضه أو تعديله. ولا شك أن قانون الإدارة المحلية قد تأخر فترة طويلة بالرغم من تقديم أكثر من مقترح له من خلال بعض السادة النواب، وكذلك من خلال الحكومة، لما يمثله من أهمية كبيرة تتعلق بالمواطن واهتماماته اليومية ومصالحه الحياتية المرتبطة دائمًا بالمحليات فى الأساس.
تعتبر المجالس المحلية إحدى أذرع قانون المحليات، وليست كل القانون ولكنها الأهم فيه. ومنذ شهر أبريل ٢٠٠٨ عقد آخر انتخابات للمجالس المحلية تم حلها فى ٢٠١١ ومنذ هذا التاريخ لم تتشكل أى مجالس بديلة أو حتى معينة كما ينص القانون فى حالة حل المجالس المنتخبة.
وبذلك أصبحت المحليات بلا مجالس، ومن ثم أصبحت عبارة عن كيانات تنفيذية فاقدة للرقابة الشعبية، مما جعل الفساد يستشرى بين ضعاف النفوس، ولولا الجهود التى تبذلها الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة، لما ارتدع هؤلاء أبدًا. كما أن المحليات أيضًا تمثل بداية السلم نحو حياة ديمقراطية سليمة. فمن خلالها يتم اختيار العناصر التى تصلح فى العديد من المناصب التنفيذية وأيضًا التشريعية، ومنها تبدأ عملية تقديم الخدمات للمواطنين وعملية المشاركة فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية ثم السياسية، وإعداد كوادر من الشباب والمرأة مؤهلين لقيادة العملية الإدارية والتنفيذية فى الدولة بصفة عامة.
وتعد مصر من أعرق الدول التى طبقت نظام الإدارة المحلية، وذلك اعتبارًا من مايو ١٨٨٣ بإنشاء مجالس المديريات ثم المجالس البلدية، إلى أن صدر دستور ١٩٢٣ الذى نص على أن يتم تشكيل تلك المجالس بالانتخابات، ومنحها اختصاصات تتعلق بتنفيذ السياسة العامة محليًا، ثم توالت القوانين المنظمة لذلك، حتى وصلنا إلى القانون رقم ٤٣ لعام ١٩٧٩ وهو المطبق حاليًا، والذى أصبح برغم جميع التعديلات التى أدخلت عليه لا يحقق المأمول منه حتى الآن، وهو الأمر الذى جعلنا ننادى بضرورة إصدار قانون جديد للإدارة المحلية يتواكب مع التطورات التى تشهدها الدولة المصرية، إلى أن تقدمت الحكومة بالفعل بمشروع قانون يضم ١٥٣ مادة، حيث تأتى أهميته فى أنه أول قانون للإدارة المحلية ينص على التحول إلى نظام اللا مركزية، والذى سوف يكون تطبيقه بشكل سليم، بوابة لتحقيق التنمية الشاملة فى المحافظات المختلفة وتعظيم مواردها الذاتية.
ويستهدف مشروع القانون المشار إليه، إعادة هيكلة المحليات وإحداث نقلة نوعية فيها وتطوير وتأهيل العناصر البشرية واستغلالها بالشكل الأمثل، وتدريبها على تفعيل نظام اللا مركزية، كما أنه أيضًا يمنح المحافظين اختصاصات وصلاحيات واسعة لعدم غل يدهم فى اتخاذ القرارات، وفى ذات الوقت يمنح المجالس المحلية أدوات وصلاحيات رقابية تصل إلى حد سحب الثقة والاستجواب، كما أنه اهتم بتحديد نسب مشاركة الشباب والمرأة فى تلك المجالس، حيث خصص لكل منهما ٢٥٪ من عدد المقاعد وألا تقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين عن ٥٠٪ على أن يكون هناك تمثيل مناسب للإخوة المسيحيين وذوى الإعاقة.
وانتخابات تلك المجالس تكون بواقع ٢٥٪ بالنظام الفردى و٧٥٪ بنظام القوائم المطلقة المغلقة، مع تخصيص موازنات مستقلة لكل محافظة، وإنشاء صندوق للتنمية المحلية تعتبر موارده ذاتية للمحافظة، وتشكيل مجلس إقليمى للتنمية بكل إقليم من أقاليم المحليات، ووضع آليات رقابية قوية للقضاء على البيروقراطية والفساد، وأن يكون اختيار أعضاء المجالس المحلية من خلال الاقتراع السرى العام المباشر لمدة أربع سنوات، على أن تكون قراراته نهائية ولا يجوز تدخل السلطة التنفيذية فيها. وكذلك أعطى لكل عضو الحق فى توجيه أسئلة وطلبات إحاطة لممثلى الحكومة بالمحافظة لمحاسبتهم عما يدخل فى نطاق اختصاصاتهم، مع إمكانية سحب الثقة منهم بأغلبية أعضاء المجلس المحلى، وفى هذه الحالة يجب إبعاد من تثبت مسئوليته عن موقعه. فإذا كان منْ ثبتت مسئوليته هو المحافظ أو أيًا من نوابه يرفع الأمر للسيد رئيس الجمهورية لاتخاذ ما يراه مناسبًا.
كانت هذه هى أهم ملامح مشروع القانون الجديد الذى تقدمت به الحكومة لمجلس النواب، حيث تم إجراء بعض التعديلات البسيطة عليه، تمهيدًا لعرضه على الجلسات العامة وفتح باب الحوار والمناقشة بشأنه. وهنا يأتى السؤال: ما المأمول بعد إقرار هذا القانون والتصديق عليه من السيد رئيس الجمهورية؟ وكيف يمكن أن يحقق الأهداف المثالية التى صدر القانون من أجلها؟
بداية يجب أن نقر أن التحول إلى اللا مركزية الإدارية مسألة تتطلب وقتًا حتى يمكن أن تؤتى بثمارها المطلوبة، كذلك فإنه لا بد من فك التداخلات فى التركيبة الوظيفية بين السلطات المركزية والسلطات المحلية، علاوة على ضرورة دراسة ظروف كل إقليم. فهناك محافظات ساحلية وصحراوية وإقليمية، ولكل منها خصوصيتها التى تسبب إشكاليات فى التقسيم الإدارى للوحدات المحلية وتباينها من حيث المساحة والسكان والمقدرة الاقتصادية، ومحاولة إحداث مقاربة بين تلك الأقاليم لتقليص الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بينها.
وتأسيسًا على ما سبق، فإنه لا بد أن تكون هناك رؤية استراتيجية وإرادة حقيقية لإصلاح نظام الإدارة المحلية، تمثل إطارًا حاكمًا لصياغة القوانين وتنفيذ الإصلاحات وفقًا لأسلوب تدريجى. كما أن اتباع نظام انتخابات أعضاء المجالس المحلية، قد أعطى الفرصة كاملة للأحزاب السياسية الموجودة حاليًا على الساحة المصرية للوقوف على إمكانياتها وقدرتها فى المشاركة فى إدارة شئون البلاد، وأيضًا فى انتقاء العناصر الصالحة والمؤهلة لخوض تلك الانتخابات من خلال التوسع فى تأهيلهم عمليًا وعلميًا وإداريًا ليكونوا خير من يمثلهم فى تلك المجالس، أمام الفشل فى انتقاء عناصر على كفاءة عالية ونزاهة مطلوبة وأرضية شعبية مقبولة، قد يعطى الفرصة لأهل الشر لدفع كوادرهم التى تتفنن فى الوصول إلى المواطن العادى من خلال إغرائه بالمال والمواد التموينية واستغلال ثقافته المحدودة فى السيطرة عليه وتوجيهه لانتخابهم، وهنا تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن.
نحن جميعًا نترقب صدور هذا القانون وكلنا أمل فى أن ننتقل من خلاله إلى مستوى أفضل فى ممارسة الإدارة المحلية بالشكل الذى يحقق الرخاء والنمو والازدهار لوطننا العزيز.