رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشيخ عبدالرحمن تاج.. صاحب المواقف التاريخية



وُلد عبد الرحمن حسين على تاج بأسيوط سنة ١٨٩٦م. ينتسب لأسرة من بلدة «منية الحيط» إحدى قرى مركز إطسا بمحافظة الفيوم، انتقل والده مع جده للعمل فى إقامة قناطر أسيوط. وعندما تجاوز الخامسة من عمره التحق بالُكتّاب وحفظ القرآن. استرعى ذكاؤه انتباه وزير المعارف آنذاك سعد زغلول باشا عند زيارته هذا الكُتاب أثناء تجواله فى الصعيد فأعجب به الباشا ورأى أن يكافئه ويشجعه، فقرر إلحاقه بالمدارس الأميرية على نفقة الدولة فى جميع مراحل التعليم، إلا أن جد الصبى رفض تمامًا إلا أن يكون مجال تعليم حفيده بعد الكُتّاب هو الأزهر.
عندما انتقلت أسرته إلى الإسكندرية، انتقل معها والتحق بالسنة الثانية الابتدائية بمعهد الإسكندرية الدينى سنة ١٩١٠م، وكان المعهد يمتاز عن بقية المعاهد بما تمَّ فيه من إصلاح سبق به غيره، وبما تهيأ له من أساتذة مرموقين أحسن المسئولون اختيارهم، فأجادوا وسائل الشرح والتوضيح والتوجيه السلوكى لطلابه، وكان هذا المعهد الكبير يضم جميع مراحل التعليم.
تدرج فى المراحل العلمية والوظيفية بالأزهر، فالتحق بقسم تخصص القضاء الشرعى ونال شهادته سنة ١٩٢٦ وعُين مدرسًا فى معهد أسيوط الدينى ثم فى معهد القاهرة الدينى.
اختير مدرسًا بقسم تخصص القضاء الشرعى قبل أن يبلغ الخامسة والثلاثين من عمره، ثم اختير عضوًا فى لجنة الفتوى للمذهب الحنفى سنة ١٩٣٥. وفى سنة ١٩٣٦م وقع الاختيار عليه ليكون عضوًا فى بعثة الأزهر إلى جامعة السوربون بفرنسا، فصحب أسرته معه وكانت مكونة منه ومن زوجة وثلاثة أطفال، فدرس اللغة الفرنسية وأجادها، ثم واصل دراسته الجامعية وكانت الحرب العالمية قد بدأت واشتدت، فلم تعقه أعباء الأسرة ولا أهوال الحرب عن التعمق فى دراساته حتى نال الدكتوراه فى الفلسفة وتاريخ الأديان عن رسالته فى «البابية والإسلام» والمعروف أن «البابية» هو اسم «البهائية»، وذلك رغم الظروف القاسية والمدمرة للحرب العالمية، مما يدل على شخصيته الصامدة المتزنة الوقورة القادرة على مواجهة الصعاب.
بعد عودته من باريس سنة ١٩٤٣ عُين أستاذًا فى كلية الشريعة بالأزهر، ثم مفتشًا للعلوم الدينية والعربية، ثم عُين شيخًا للقسم العام والبحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.
فى عام ١٩٥١ نال عضوية هيئة كبار العلماء حين تقدم إليها ببحث عن السياسة الشرعية. عمل أستاذًا بكلية الحقوق بجامعة عين شمس أثناء وجوده فى هيئة كبار العلماء ولجنة الفتوى. أصبح شيخًا للأزهر الشريف فى ٧ يناير ١٩٥٤ ثم اختير وزيرًا فى اتحاد الدول العربية عام ١٩٥٨. إلى أن ألغت الجمهورية العربية المتحدة «جمهورية مصر العربية» هذا الاتحاد سنة ١٩٦١م، وفى سنة ١٩٦٣م انتُخب عضوًا بمجمع اللغة العربية، ثم اشترك فيه فى لجنة القانون والاقتصاد، ولجنة الأصول، ولجنة المعجم الكبير، ثم اختير عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر. وكان أول من فكَّر فى إدخال نظم التربية العسكرية بالأزهر.
من أبرز إنجازاته أنه قرر تدريس اللغات الأجنبية فى الأزهر، كما سعى إلى بناء مدينة البعوث الإسلامية لسكنى الأزهريين المغتربين من أبناء العالم الإسلامى. أثرى المكتبة الإسلامية بالعديد من المؤلفات القيّمة فى الشريعة والفقه الإسلامى، ومن أبرزها كتاب «الأحوال الشخصية فى الشريعة الإسلامية»، وكتب: السياسة الشرعية والفقه الإسلامى ودراسات مطولة عن الهجرة والإسراء والمعراج والحج والصوم، وليلة القدر، وفى الشئون الكونية وغيرها. كما أثرى المكتبة اللغوية العربية ببحوث تخصصية دقيقة أثناء عضويته بالمجمع اللغوى.
لم تنسه مشاغله الوظيفية والعلمية على مستوى العالم العربى والإسلامى والدولى انتماءه لبلده الفيوم فحرص وهو شيخ الأزهر على تأسيس أول معهد دينى بالفيوم فى ٦ ديسمبر ١٩٥٤، وهو المبنى الذى أعدته جمعية المحافظة على القرآن والذى يشغله الآن معهد المعلمين الأزهرى، وقد قام بافتتاحه رفقة الرئيس جمال عبدالناصر عند زيارته الفيوم سنة ١٩٥٦.
للشيخ عبدالرحمن تاج رصيد علمى زاخر، سواءً فى العلوم الدينية أو اللغوية، إلى جانب مواقفه التاريخية التى تحفظها ذاكرة الأزهر وذاكرة الوطن. ففى العدوان الثلاثى عام ١٩٥٦ لم يكتف الشيخ عبدالرحمن تاج بإصدار البيانات، وإنما راسل ملوك ورؤساء الدول الأوروبية لإنهاء هذا العدوان، إلى جانب جمع التبرعات وإرسال الطلبة والعلماء للتطوع فى الجيش.
توفى الشيخ عبدالرحمن تاج صباح الأربعاء ٢٠ مايو سنة ١٩٧٥ بعد مسيرة طويلة من البذل الجاد والعطاء الهادف بلا حدود. وقد أقام مجمع اللغة العربية حفلًا كبيرًا لتأبينه، تحدث فيه الدكتور إبراهيم مدكور، رئيس المجمع، والأستاذ الشيخ على الخفيف، وعقّب عليهما الأستاذ حسن عبدالرحمن تاج ابن الإمام.