رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"وردان".. من جزيرة على النيل إلى مشروع صرف صحي (صور)

جريدة الدستور

على جانب نهر النيل من فرع رشيد، نبتت قرية "وردان" إحدى القرى التابعة لمركز إمبابة في محافظة الجيزة، ليقطن بها ما يقرب من 29705 نسمة (حسب أحدث الإحصائيات عنها في 2006)، وكانت الأحوال مستقرة فيها، حيث بساطة المعيشة واستمرار الحياة الروتينية فيها، إلى أن جاء الوقت الموعود في عام 2007.

في ديسمبر 2007، قرر مجلس القرية تخصيص قطعة أرض مساحتها 10 فدان لمشروع صرف صحي، ورغم حاجة القرية إليه، إلا أن المكان الذي تم اختياره لتنفيذ المشروع كان مخالفًا لكل القواعد السليمة التي يتم اتباعها لإقامة مثل تلك المشروعات، فهو قريب للغاية من نهر النيل، وقريب من المساكن التي يقطن بها أهل القرية، ما يسبب لهم أضرار كثيرة.

ومن هنا قرر أهالي القرية طرق أبواب المسئولين لوقف هذا المشروع الذي سيكون مصدر الضرر لهم أكثر من الفائدة، والذي جاء بنتيجة وتم وقف المشروع بالفعل، ولكن بعد مرور 12 عامًا أعيد فتح ملف المشروع من جديد على يد أحد نواب مجلس الشعب، وحاول بعض مسئولي القرية معاونته على التنفيذ، لكن الأهالي كانوا له بالمرصاد، ورغم ذلك فإن هناك قرار صدر من محافظة الجيزة يضرب بهذا الضرر عرض الحائط ويقرر متابعة المشروع وإرسال "لودرات" لبنائه.

"الدستور" تواصلت مع عدد من أهالي القرية لتتبع المشكلة وآخر تطوراتها، بدأنا الحديث مع حسام عقرب، أحد قاطني القرية، الذي أوضح أن المشكلة الرئيسية التي تواجه أهالي المنطقة من قرار إنشاء محطة صرف صحي بالقرب من نهر النيل، هي أن المكان غير صالح نهائيًا لأي انشاءات ليس محطة الصرف فقط".

تابع "عقرب"، خلال حديثه مع "الدستور"، أنه يجب توافر اشتراطات بيئية معينة قبل إنشاء محطة الصرف في أي مكان، كما يجب وجود موافقات من وزارة الري، وهذه الشروط والموافقات غير مكتملة، فقد تعرضت هذه الأرض للغرق 3 مرات متتالية خلال هذا العام فقط، بسبب ارتفاع منسوب مياه النيل الذي يقرب عنها بمسافة 50 متر".

"الأهالي يعيشون في قلق تام مما قد تسببه تلك المحطة في المنطقة"، يقولها "عقرب" متابعًا أن المشكلة تشغل تفكيرهم دومًا، فعندما يزيد منسوب المياه شبر واحد فقط تتسبب في غرق الأرض على الفور، كما أن الدولة ستخسر العديد من المال في هذا المشروع الذي من المفترض أن يخدم أكثر من 8 قرى، مختتمًا حديثه بتوجيه رسالته للجهات المنوطة بالأمر: "يجب دراسة الأمر جيدًا، هذا المشروع سوف يتسبب في حدوث كارثة بيئية".

بخطوات قليلة، حدثنا أحمد عبدالمنعم مهنى، قاطن آخر بالقرية، حدثنا أنهم كأهالي ليس لديهم أي مشكلة في أن تعم المصلحة العامة ويتم بناء المشروع بالفعل، لكن جُلّ ما يطالبون به أن يتم تغيير مكان المشروع، كي لا يؤثر عليهم صحيًا وأن يتم إنشائه وفقًا لمعايير صحيحة وفي مكان سليم.

ويشرح "مهنى"، في حديثه مع "الدستور"، أن تلك المنطقة ليست تابعة للمحافظة بل للموارد المائي، والتي كانت قد منعت البناء في تلك المنطقة منذ تم التفكير في المشروععام 2007، معددًا الأسباب أنه سيؤدي لتلوث النيل وإلحاق الضرر بباقي المحافظات على ضفاف فرع رشيد، أيضًا قرب المحطة الشديد من السكان، ففي حالة ارتفاع منسوب المياه يتم غمر تلك المنطقة بالكامل، مؤكدًا أنها ستكون خسارة كبيرة للرقعة الزراعية الخصبة في تلك المنطقة.

وأكد أن الأهالي وضعوا حل لهذه الأزمة، إثباتًا لعدم رفضهم للمشروع، هو أن يتم نقل المحطة إلى الأماكن الصحراوية، مشيرًا إلى وجود مصرف بالفعل للصرف الصحي وهو مصرف الرهاوي، لكنه ليس للمعالجة.

تنص المادة (5) من اللائحة التنفيذية للقانون (48) لسنة (1982) والمعدلة بقرار وزير الموارد المائية والري رقم 789 لسنة 2016 على: يحظر صرف أي مخلفات آدمية أو حيوانية أو مياه صرف صحي –أيًا كان درجة معادلتها- على مسطحات المياه العذبة وخزانات المياه الجوفية، ومع ذلك يجوز لوزارة الموارد المائية والري الترخيص بصرف المخلفات السائلة من عمليات الصرف الصحي المعالج ثلاثيًا على مسطحات المياه العذبة طبقًا للمعايير والمواصفات والضوابط التي تقترحها وزارة الصحة وطبقًا للكود المصري رقم (501) لسنة (2015) لاستخدام الصرف الصحي المعالج في مجال الزراعة، ويضمن الترخيص الصادر في هذا الشأن تحديد المعايير والمواصفات الخاصة بكل حالة على حدة.

تلك المادة هي ما اعتمد عليها أهالي "وردان"، طبقًا لـ"مهنى"، في محاولة لوقف المشروع من جديد، مؤكدًا أنهم أرسلوا عديد من الشكاوى التي أُرسلت إلى الجهات المسئولة، وكان رد الإدارة العامة لصحة البيئة التابعة لوزارة الصحة: "توافق وزارة الموارد المائية مع رأي اللجنة وهو عدم البدء في تنفيذ أي أعمال بالموقع إلا بعد الحصول على ترخيص وزارة الموارد المائية"، كما وافقت على طلب موقع بديل للمشروع، وحصلت "الدستور" على نسخ من تلك الأوراق المقدمة.

وحدثنا أن المحافظة لم تمتثل لتلك الردود الواردة من الجهات المسئولة، واصفًا الأمر بأنه "ضربت بالكلام عرض الحائط"، مشيرًا إلى أنه تم البدء الفعلي في المشروع الآن، فعاودوا إرسال شكاوى لوزارة الري، والتي أكدت أنها لم تصدق على أي موافقة على ترخيص هذا المشروع، بعد أن أرسلت لجنة لإعادة الرفض والتي أكدت على نفس الأضرار.

"ناس تصب صرف وناس تشربه"، بهذه الكلمات عبّر عن مدى الضرر الذي سيلحق به وأبناء القرية القريبين من تلك المحطة، متابعًا: "لجنة من الوزارة راحت الأسبوع اللي فات قالت وقّف كل العمل لكن المحافظة مفيش فايدة"، وهذا في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس السيسي لإطلاق مبادرات للحد من تفشي مسببات الأمراض.

فكرة بناء محطات المعالجة الثلاثية للصرف الصحي لها عدد من المعايير يجب اتباعها، لذا تواصلنا مع الدكتور عباس شراقي، خبير المياه ورئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث الأفريقية، الذي أكد أن بناء محطات مياه الصرف الصحي والمعالجة الثلاثية لها معايير واشتراطات معينة، تقوم شركات مياه الشرب بوضعها بالتنسيق مع وزارة الري والجهات المنوطة بالأمر قبل أي أعمال في الإنشاءات، حتى يتأكدوا من دراسة المسافات جيدًا بين المحطة ونهر النيل.

وأضاف "شراقي"، في تصريحاته لـ"الدستور"، أن هناك كود مصري ينص على أن جميع محطات المياه يمنع استخدامها في زراعة المحاصيل، كما يجب أن يكون منسوب مياه المحطة مرتفع عن مياه النيل.

وأكد أنه من المستحيل أن تقام أي مباني خرسانية ليس محطات مياه فقط على قرب من مكان يكون به منسوب مياه النيل مرتفع أو يغطي أجزاء منه، لكن في حالة قرار إنشاء تلك المحطة في "وردان" ستقوم الجهات المسئولة بدراسة الأمر جيدًا من الجانب الهندسي قبل العمل به.