رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المملكة لن تكون متحدة



فوز حزب المحافظين، غير المسبوق، منذ عهد المرأة الحديدية «مارجريت ثاتشر»، فى الانتخابات البريطانية العامة، التى جرت الخميس الماضى، قابله انتصار كبير للحزب القومى الاسكتلندى، يمكن ترجمته، أو الخروج منه، بأن المملكة لن تكون متحدة.
الحزب القومى الاسكتلندى، المناهض لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، «بريكست»، والمطالب بالاستقلال عن المملكة المتحدة، فاز بنسبة ٨١٪ من عدد مقاعد اسكتلندا فى مجلس العموم «البرلمان» البريطانى: ٤٨ من ٥٩ مقعدًا، بينما هبط عدد مقاعد المحافظين «الاسكتلنديين» من ١٣ مقعدًا إلى ٦ مقاعد، وكان نصيب حزب العمال مقعد واحد فقط لا غير!.
المملكة المتحدة اتخذت شكلها الحالى سنة ١٩٢٢، بعد استقلال معظم الجزيرة الأيرلندية عن التاج البريطانى، وصارت المملكة تتكون من إنجلترا، اسكتلندا، ويلز وأيرلندا الشمالية. غير أن هذا الشكل قد لا يستمر، أو غالبًا لن يستمر. وقد لا تجدى، هذه المرة، أى مسكنات أو تنازلات، كتلك التى تم استخدامها أو تقديمها منذ ٢١ سنة، فى نوفمبر ١٩٩٨ انتقلت صلاحيات كثيرة من السلطة المركزية إلى السلطة المحلية الاسكتلندية. وقبل ذلك بشهور، تحديدًا فى أبريل ١٩٩٨، تم توقيع اتفاق بلفاست، أو «الجمعة العظيمة»، بين الحكومة البريطانية وحكومة وأحزاب أيرلندا الشمالية، الذى حقق استقرارًا نسبيًا فى المقاطعة، وأسكت بنادق «الجيش الجمهورى الأيرلندى».
الاسكتلنديون، الذين انضمّت بلادهم إلى المملكة المتحدة، منذ أكثر من ثلاثة قرون، رفضوا الاستقلال بفارق ١٠٪ فى استفتاء سبتمبر ٢٠١٤، حوالى ٥٥٪ اختاروا البقاء ضمن المملكة المتحدة، مقابل ٤٥٪ صوّتوا لصالح الاستقلال. لكن الوضع اختلف الآن، ومعنى تأييد ٨١٪ منهم للقوميين هو أنهم يؤيدون أيضًا استفتاءً جديدًا على الاستقلال. وتأسيسًا على ذلك، أعلنت نيكولا ستيرجيون، Nicola Sturgeon، زعيمة الحزب، رئيسة وزراء اسكتلندا، عن اعتزامها نشر خطة لاستفتاء جديد على استقلال اسكتلندا، الأسبوع المقبل.
الحكومة الاسكتلندية ترى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى قد يكلفها نحو ١٠٠ ألف وظيفة فى جميع أنحاء البلاد. وفى أيرلندا الشمالية، ذكر تقرير رسمى أن نحو ٤٠ ألف شخص سيفقدون وظائفهم، وأن قطاعات واسعة ستتضرر بسبب فرض رسوم جمركية على التجارة مع الاتحاد الأوروبى، خاصة النقل والزراعة، وأن «بريكست» سيؤثر سلبًا بنسبة تتراوح بين ٩ و١١٪ على صادرات أيرلندا الشمالية إلى جمهورية أيرلندا. وعليه، تزايدت دعوات إنهاء العلاقة الدستورية مع المملكة المتحدة، وإعادة توحيد الجمهورية الأيرلندية.
فى رسالة وجهتها ستيرجيون إلى بوريس جونسون، أواخر يوليو الماضى، فور اختيار المحافظين له زعيمًا للحزب ورئيسًا للوزراء، ذكرت أنها تتطلع إلى مناقشة إجراء استفتاء ثانٍ حول الاستقلال، وأكدت أن حكومتها ستواصل العمل على إجراء هذا الاستفتاء قبل حلول عام ٢٠٢١. وشددّت على أن «حق شعب اسكتلندا فى تحديد مستقبله مبدأ ديمقراطى أساسى يجب احترامه». وفى خطاب قصير بعد نتيجة الانتخابات الأخيرة، قالت ستيرجيون إنها «تأكيد على حق شعب اسكتلندا فى تقرير مصيره»، وإن الاسكتلنديين منحوها تفويضًا بأن تبدأ حملة لإجراء استفتاء جديد، موضحة أن «تلك النتائج وكذلك نتائج استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى سنة ٢٠١٦، والانتخابات العامة سنة ٢٠١٧ والانتخابات الأوروبية هذا العام، توضح دون أى شك أن الغالبية الساحقة من الاسكتلنديين يريدون البقاء فى الاتحاد الأوروبى».
خلال تجمع انتخابى باسكتلندا وعد بوريس جونسون بـ«حماية وحدة البلاد والدفاع عنها». والسبت، قال متحدث باسم رئاسة الوزراء البريطانية إن جونسون كرر التزامه بتعزيز الاتحاد، وإنه سيظل يعارض إجراء استفتاء ثان على استقلال اسكتلندا، زاعمًا أن «نتيجة استفتاء عام ٢٠١٤ كانت حاسمة»، لكن فاته أن هذا الاستفتاء جرى قبل استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبى الذى صوت فيه الاسكتلنديون لصالح البقاء داخل التكتل، وفاته أيضًا أن كل استطلاعات الرأى تشير إلى أن أى استفتاء جديد، ستكون نتيجته لصالح الاستقلال. وعليه، جاء رد ستيرجيون سريعًا، وكتبت فى حسابها على «تويتر»، أنها أبلغت رئيس الوزراء، فى اتصال تليفونى، أن عليه احترام خيارات الاسكتلنديين، كما ينتظر منهم احترام ولايته.
تفكك المملكة المتحدة، سيكون حدثًا مذهلًا يتخطى بمراحل تفكك تشيكوسلوفاكيا ويوجوسلافيا. صحيح أن بوريس جونسون سيحاول عرقلة إجراء استفتاء ثانٍ على استقلال اسكتلندا، أو أى استفتاء على استقلال باقى المقاطعات، غير أنه قد لا يتمكن من ذلك، ليس بسبب السياسة التى يعتمدها حيال «بريكست» فقط، ولكن أيضًا لأن مجمل سياساته، وسياسات من سبقوه، أججت، تدريجيًا، الصراع بين القومية الإنجليزية والقوميات الاسكتلندية، الويلزية، والأيرلندية.
وتبقى الإشارة إلى أن جوردون براون، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، وهو اسكتلندى ينتمى إلى حزب العمال، سبق أن حذّر من أن «القومية الاسكتلندية»، لا تقل خطورة عن «القومية الإنجليزية» لحزب المحافظين.