رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشيخ محمد الجيزاوى.. وتطوير التعليم فى الأزهر



وُلد محمد أبوالفضل الجيزاوى سنة ١٨٤٧م بقرية وراق الحضر- إحدى مدن محافظة الجيزة حاليًا- ونشأ على التربية الدينية، حيث دخل الكُتَّاب المُعَد لتحفيظ القرآن ببلده سنة ١٨٥٢م؛ فحفظه بتمامه سنة ١٨٥٥م ثم التحق بالأزهر فى أواخر السنة التالية، فدرس القراءات وفقه الإمام «مالك بن أنس»، وتلقى العلوم العربية من: نحو وصرف ووضع وبيان ومعانٍ وبديع، وعلم أصول الدين والتفسير والحديث والمنطق.
تلقى تعليمه بالأزهر على يد أفاضل العلماء، مثل الشيخ محمد عليش، والشيخ على مرزوق العدوى والشيخ إبراهيم السقا والشيخ شمس الدين الأنبابى، والشيخ شرف الدين المرصفى والشيخ محمد العشماوى، وغيرهم من أجلاء الأساتذة، ولازم الشيخ الإمام أبوالفضل الجيزاوى التدريس وقرأ جميع كتب الفقه المتداول قراءتها فى ذلك الوقت مرات عديدة، وبعد أنْ تمكَّن من علمه طلب منه شيوخه التدريس، ورأوا فيه القدرة على ذلك، وبعد أنْ أخذ الإذن منهم بدأ بقراءة الكتب الأزهريَّة فى النحو، وكان الشيخ الجيزاوى شديد الحفظ قوى الاستيعاب، وفى أيام مشيخة الشيخ العروسى الأول ألقى أول درس له، وبحضور جمع كبير من المشايخ والعلماء وجميع الطلاب، ثم لازم التدريس، وقرأ جميع الكتب الفقهية المتداول قراءتها حينذاك، وكذلك كتب اللغة العربية وغيرها من علوم العصر، وقد رزقه الله الحظوة، فأقبل عليه العلماء والطلاب على السواء، وتخرَّج على يديه أغلب علماء الأزهر، وهو أوَّل مَن شرح كتاب «الخبيصى فى المنطق»، وعرف به الطلاب؛ فاشتهر الكتاب على يديه، وذلك بتدريسه مرارًا، وكذلك كتاب «القطب على الشمسية»- قواعد منطق- وكتاب ابن الحاجب فى الأصول، وله كتب كثيرة تداولها العلماء والطلبة، وقد كتب على شرح المطوَّل وحاشيته ما يقرب من ٤٥ ملزمة. تولى الشيخ محمد الجيزاوى العديد من الوظائف، وهى: فى ٢٣ أغسطس ١٨٩٥م عُضْوًا فى مجلس إدارة الأزهر فى مدة مشيخة الشيخ «سليم البشرى»، ثم استقال منها وعُيِّن بها ثانيًا فى ٢٤ ديسمبر ١٩٠٦م، فى أواخر مشيخة الشيخ الشربينى، وكيلًا للأزهر فى ٢١ مارس ١٩٠٨م، عُين شيخًا لعلماء الإسكندرية سنة ١٩٠٩م واستمر بها لمدة ثمانى سنوات، وفى أول أكتوبر ١٩١٧م، وعُين شيخًا للأزهر ورئيسًا للمعاهد الدينية.
عاصر أحداث الثورة المصرية سنة ١٩١٩م وما تلاها من صراع عنيف بين الشعب ومستعمريه، وبين الأحزاب السياسية والزعماء والملك، كما شاهد اندلاع الثورة الشعبية من ساحة الأزهر واشتراك رجال الدين المسيحى مع كبار علماء الأزهر فى مقاومة الاستعمار، واستطاع الشيخ الإمام أن يقود سفينة الأزهر فى غمار هذه الأمواج والعواصف. عُين شيخًا للمالكية فى ٤ ديسمبر سنة ١٩١٧م. حصل على كسوة التشريف العلمية من الدرجة الأولى فى ٧ يناير ١٩٠٤م. حصل على الوشاح الأكبر من نيشان النيل فى يونيو ١٩٢١م.
كان للشيخ محمد أبوالفضل الجيزاوى دور كبير فى إصلاح الأزهر قبل توليه المشيخة وبعده، ومن أهم إسهاماته: كان له دور كبير فى ترقية العلوم والتدريس فى الجامع الأزهر وملحقاته خاصة فى الفترة التى تلت صدور قانون ١٩٠٨م والفترة التى تلتها حتى صدور القانون رقم ١٠ لسنة ١٩١١م. استطاع الشيخ أبوالفضل الجيزاوى أن يخطو فى سبيل إصلاح التعليم فى الأزهر خطوة أصدر بها قانون سنة ١٩٢٣م. ألَّف «لجنة إصلاح الأزهر» سنة ١٩٢٥م؛ فرأت اللجنة أنه يجب أن ينظر إلى المرحلتين الابتدائية والثانوية على أنهما مرحلتا ثقافة عامة، ويجب أن تُدرس بهما العلوم الرياضية التى تُدرس بالمدارس الابتدائية والثانوية المدنية، وأنه يكفى الاهتمام بالعلوم الدينية والعربية فى الأقسام العالية والتخصصات، كما رأت اللجنة لذلك وجوب فتح أبواب مدارس وزارة المعارف أمام المتخرجين فى الأزهر للتدريس فيها، وقد أتمت هذه اللجنة أعمالها بعد وفاة الشيخ الجيزاوى، وانتفع بأعمالها من تلاه فى مشيخة الأزهر. ظل رئيسًا لمشيخة الأزهر والمعاهد الدينية بالقاهرة وشيخًا للمالكية وظل فى هذا المنصب إلى وفاته بالقاهرة عام ١٩٢٧م.
من مؤلفاته: إجازة منه إلى الشيخ محمد بن محمد المراغى المالكى الجرجاوى، أجازه فيها بما فى ثبت الشيخ محمد بن محمد الأمير الكبير، نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم ٥٥ تيمور بآخرها توقيع الشيخ الإمام وخاتمه، الطراز الحديث فى فن مصطلح الحديث، كتاب تحقيقات شريفة وتدقيقات منيفة، وهى حاشية على شرح عضد الملّة والدين على مختصر ابن الحاجب.
لقد كان الإمام الشيخ محمد أبوالفضل الجيزاوى دمث الخلق، لين الجانب، ورعًا تقيًا، وكان يمتاز بالقوَّة الجسدية والعقلية والخلقية، ويمتاز بحسن الحديث، وقد أجمعت القلوب على حبِّه وإكباره، ولقد أطال الله عمره حتى امتدَّ إليه وهن الشيخوخة، وضعُفت قوَّته، وقد وافته المنية بعد عمر ناهز ٨٠ عامًا، وانتقل إلى رحمة الله ولحق بالرفيق الأعلى عام ١٩٢٧م، ولم يذكر المؤرخون مكان دفنه، ويرجح أنَّه دُفِنَ كما دُفِنَ أسلافه الكرام.