رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

علاء جاويش يتحدث عن الحراك الثقافي وسؤال الهوية والتنوير

جريدة الدستور

شارك الدكتور علاء الدين سعد جاويش، ببحث بعنوان "الحراك الثقافي وسؤال الهوية والتنوير.. ما بين جرجي زيدان ونجيب محفوظ"، في مؤتمر أدباء مصر بدورته الـ34، المنعقد حاليًا في محافظة بورسعيد.

وقال في بحثه: "مما لا ريب فيه أن الثقافة تقود المجتمعات إلى التغيّرات الكبرى؛ فالأديان ذاتها حالة ثقافية، تنتج إنسانًا مغايرًا عما كان عليه قبلها، وتهدف الثقافة – بعامة - إلى إحداث تغيرات في بنية ونوعية الإنسان ليكون أكثر توافقًا مع المتغيرات من حوله، والمجتمعات الخاملة هي تلك التي لا تجدد نفسها ثقافيًّا، وتقدّس الموروثات البائدة بوصفها لا مزيد عليها، ومن ثمَّ يظل الإنسان قابعًا تحت نير التخلف والتبعية للسلف، ويأتي هذا البحث ليناقش أهمية الحراك الثقافي وكيف أن الأدباء والمفكرين العرب والمصريين قد وعوا أهمية الحراك الثقافي في الإجابة عن سؤال الهوية، وكون الهوية هي العنصر المائز للإنسان في ارتباطه بالمكان والزمان، وما يكتنفهما من تغيرات وتطورات".

وأضاف أن البحث يشتمل على محورين رئيسين وتعقيب، الأول: سؤال الهوية عند جرجي زيدان يقوده للتنوير والتثوير، ويناقش: بدايات الوطنية المصرية، وكيف رأى الأدباء الشوام وخاصة زيدان صاحب مجلة الهلال - وصاحب روايات تاريخ الإسلام - الهوية المصرية في نهاية القرن التاسع عشر عقب الثورة العرابية، وبعد الاحتلال البريطاني لمصر، وفي مطلع القرن العشرين، وكانت روايات تاريخ الإسلام مؤكدة للهوية من وجهة نظر زيدان.

أما المحور الثاني: نجيب محفوظ وتذبذب الهوية المصرية ما بين الفرعونية والإسلامية والواقع المعاصر، وذلك من خلال مراحل كتابات نجيب محفوظ ووعيه الخاص للهوية المصرية التي تقود لتتبوأ مصر مكانتها من خلال بحث الهوية والاهتمام بالتنوير، ويأتي التعقيب، ليبحث في مراجعات فكرية عند طه حسين والعقاد، حين انكبّا في نهاية عمرهما الإبداعي على الكتابات الدينية الإسلامية، مؤكدين الهوية الدينية لمصر، متخذين الكتابات الدينية سبيلًا لإبراز الهوية ومؤكدين بذلك على إحداث التنوير.

وتابع: المحور الأول: سؤال الهوية عند جرجي زيدان يقوده للتنوير والتثوير، مكملا: قبيل الثورة العرابية تعالت بعض الأصوات المنادية بكون مصر للمصريين، ومن اللافت للنظر أن تلك الأصوات لم تكن مصريةً خالصة، بل كانت من بعض دول الجوار، وخاصة فيما ذهب إليه سليم البستاني بوجوب أن تكون مصر للمصريين، وكادت تلك الأصوات أن يتمخض عنها ما تمخض عن الثورة الفرنسية من إعلان استقلال مصر عن الخلافة التركية في اسطنبول وإعلان الجمهورية، وإنشاء مجلس نيابيّ فاعل في الحياة السياسية المصرية، ومن ثمَّ تتأصل الهوية المصرية في محيط يموج بالفعاليات الانفعالية الدينية.

وعقب خروج جنود الحملة الفرنسية من مصر، لم يقف المصريون على عناصر التمايز المصرية التي تحتلها مصر وسط الدول، ولم يتدارسوا بشكل علمي الأسباب التي دعت فرنسا لاحتلال مصر، ولعل السبب في ذلك أن المستنيرين في مصر وقتها كانوا علماء الدين المنتمين للأزهر الشريف، وهؤلاء في أغلبهم لم يكن لهم أن يدرسوا التاريخ والسياسة إلا من جهة دينية؛ ما جعلهم في غالبيتهم يأتون بالضابط محمد علي واليًا على مصر، وما لبث أن انفرد بالسلطة حيث نفى الشيخ عمر مكرم إلى دمياط عام 1809م، ثم تخلص من مشاركة المماليك في الحكم والزعامة في مصر بتدبير مذبحة القلعة 1811م، ومنْ نجا منهم لم يجد إلا الفرار من وجه الوالي الذي صادر أموالهم وشتّت جمعهم وفرقهم، ومن ثمَّ انفرد بالسلطة وجعل حكم مصر وراثيًّا في ذريته باتفاق دولي، ولما سنحت الفرصة للتخلص من حكم الأسرة العلوية بثورة عرابي ورفاقه أجهضها علماء الأزهر أو المنتسبون إليه بحجة أن هوية مصر إسلامية وأنها إحدى دول الخلافة الإسلامية، ولم يرَ العلماءُ مصرَ إلا دائرة في فلك الخلافة.

وتطرق إلى المؤثرات البيئية في حياة جرجي زيدان الإبداعية وتأثيراتها على كتاباته، لافتا إلى أن الدكتور حسين نصارلخص في دراسته لرواية فتاة غسان تحولات جرجي زيدان إلى الرواية التاريخية قائلًا: "وإذا أردنا أن نتعرف على الظروف التي واكبت ظهور الروايات التاريخية وأثّرت فيها على الأقل بإقبال الجماهير الذي وصفه المؤلف نفسه ومنحه فكرة السلسلة، كان واجبًا علينا أن نلحظ أنه كان واحدًا من مهاجري الشام الذين تدفقوا على مصر هربًا من التعسف العثماني الذي كان الدافع الأول إلى يقظة الشعور العربي، وسعى العرب المسيحيون أولًا ثم المسلمون أخيرًا إلى التخلص من الحكم العثماني، فإذا ما جاء إلى مصر وجد العرابيين قد شحذوا هذا الشعور العربيّ ونموّه، وإن خالطته نعرة مصرية إقليمية.

وأوضح المحور الثاني: نجيب محفوظ، وتذبذب الهوية المصرية ما بين الفرعونية والإسلامية والواقع المعاصر، متابعًا: "قد أثار صنيع زيدان حفيظة الكتاب والأدباء المصريين؛ فانطلقوا يستمدون موضوعات رواياتهم من الفترات المشرقة، التي تمثل أمجاد وبطولات العرب والمسلمين، وأيضًا حياة الفراعنة، وتخصص كل منهم في اتجاه معين، فوجدنا محمد أبو حديد يتخصص في الكتابة عن تاريخ العرب قبل الإسلام، ومحمد سعيد العريان يكتب عن الفترات القلقة في تاريخ مصر الإسلامية، بينما علي أحمد باكثير يمزج بين معالجة القضايا الإنسانية العامة وضرورة الكفاح من أجل الوحدة والتحرير، وينقل علي الجارم الرواية التاريخية ذات الطابع العربي نقلةً أخرى إلى مجال التاريخ الأدبي لبعض الشعراء أمثال المتنبي، وأبي فراس الحمداني، وابن زيدون، كذلك تخصص أدباء آخرون في الكتابة عن التاريخ الفرعوني مثل نجيب محفوظ ثم محمد عوض محمد وعادل كامل، وقد جمع قليلٌ من الأدباء بين التيارين العربي والفرعوني مثل عبد الحميد جودة السحار".

بدأ نجيب محفوظ مشروعه الروائي برغبته في إحياء الهوية المصرية التي رأى أنها أقدم من الهوية الثقافية الإسلامية التي رمى إليها جرجي زيدان في روايات تاريخ الإسلام، حيث كانت مصر قد مرت بظروف مختلفة بدأت بثورة 1919م التي نادت باستقلال البلاد عن الاحتلال البريطاني عقب انتهاء الحرب العظمى، ثم حصلت على الاستقلال عام 1923م وكتبت مصر الدستور، وصارت فيها حياة نيابية وعرفت الشكل الديمقراطي في السياسة والليبرالي في الحياة العامة، فبحث نجيب محفوظ عن الهوية المصرية الأصيلة وارتأى أن يكتب تاريخ مصر في روايات كما فعل جرجي زيدان، غير أن الأخير كتب تاريخ الإسلام بوصف مصر دولة إسلامية بينما انطلق محفوظ من كون مصر دولة قديمة في الوجود الإنساني، ولا يمكن طمث هويتها مطلقًا، مهما تعددت عليها ألوان التغيير الثقافي من: يونان ورومان وعرب وشراكسة وأتراك وأوربيين غيرهم، فمصر فرعونية، وتلك هي الخصيصة المميزة لها ومن ثمَّ نهض لكتابة الروايات الآتية: عبث الأقدار. (1939م)، رادوبيس. (1943م)، وكفاح شعب طيبة. (1944م).

وتعد الرواية الأخيرة - التي تقرر تدريسها على طلاب المدارس في مصر - هي درة إنتاجه الروائي ذات الملمح التاريخي، ويهمنا هنا إثبات رغبة محفوظ في إيقاظ الهمّة الوطنية وتأكيد قدرة المصريين على طرد المحتل مهما كان جبروته ومهما كانت التضحيات المبذولة في سبيل ذلك.

ومن سيرته الذاتية التي أثبتناها في الهامش يتضح أنه كان حائرًا بين الفلسفة والأدب، فقد أعدَّ رسالة في فلسفة الجمال في الإسلام، حيث كانت الهوية عنده متأثرة بالناحية الإسلامية، لكنه حين اختار طريق الأدب في النهاية قد اتخذ الرواية وسيلة للتعبير الثقافي عن هوية مصر، ومن ثمَّ جاءت كتاباته الروائية تاريخية فرعونية.