رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مهلن.. ولاكـن.. إلى متا؟


يتدهور يومًا بعد يوم مستوى اللغة التى تشيع بيننا، وفى أوراق إجابات بعض الطلاب الجامعيين تكررت كلمة «لاكن» بدلًا من «لكن»، و«مهلن» بدلًا من «مهلًا»، و«إلى متا» بدلًا من «إلى متى»، بينما تحفل اللافتات فى الشوارع بأشياء تقتل الإنسان من الضحك والبكاء.

أما عن أخطاء المذيعين ومقدمى البرامج التليفزيونية فحدث ولا حرج، يضاف إلى ذلك، أو قل قبل ذلك، هناك مستوى لغوى متدهور لدى بعض المسئولين فى أحاديثهم مثل قول بعضهم: «المواطن بيتقنعر»، ثم نسمع «لا سيمه» بدلًا من «لا سيما» ولهذا لم يكن مستغربًا أن ترصد جريدة الأهرام ذات يوم مائة وخمسة وستين خطأ لغويًا ونحويًا لأحدهم. ويحتاج الأمر منّا إلى وقفة بعد أن صارعت اللغة العربية طويلًا لتقف على قدميها وتصبح لغة تفاهم يسّرتها الصحف والإذاعة والتليفزيون. وقد أشارت الدكتورة نبوية موسى فى كتابها «تاريخى بقلمى» إلى أن دروس قواعد اللغة العربية عام ١٩٠٦ كانت تُدرس باللغة الإنجليزية بمدرسة السنية الثانوية التى ما زال مبناها قائمًا إلى الآن فى السيدة زينب. وضربت مثلًا بدرس «كان وأخواتها» الذى كان يترجم إلى العبارة التالية: «Can & Sisters» وهى حقيقة تبين أن عمر الكفاح من أجل الربط بين اللغة والهوية القومية يعود لنحو مائة عام.

وفى خضم ذلك الكفاح بعث السلطان حسين كامل فى أكتوبر ١٩١٦ بخطاب إلى المندوب السامى البريطانى يطلب فيه تصريحًا بسك نقود جديدة، فجاءه الرد من لندن: «إن الحكومة البريطانية ترى أن استعمال اللغة الإنجليزية بجانب اللغة العربية على أحد وجهى العملة يكون مظهرًا للروابط الجديدة بين مصر وبريطانيا العظمى». هكذا كان الصراع من أجل سيادة اللغة العربية ليس فقط صراعًا ثقافيًا بل وسياسيًا ووطنيًا من أجل التحرر.

وقد بذل جميع زعماء الوطنية جهودهم من أجل اللغة والتعريب بدءًا من مصطفى كامل مرورًا بسعد زغلول وانتهاء بعبدالناصر. وسعد زغلول هو القائل: «يجب أن تكون غاية عملى جعل التعليم أهليًا- أى باللغة العربية- فى المدارس المختلفة». ومن المفهوم بطبيعة الحال أن اللغة العربية لم تكن يومًا، وليست، من اللغات السهلة، ولهذا قال نجيب محفوظ ذات مرة إن أكبر صراع خاضه كان صراعه مع اللغة العربية، كما يشكو الطلاب من صعوبة النحو والصرف، وأحيانًا من المرادفات التى يصل بعضها لأكثر من ثلاثين كلمة معظمها لم يعد مستخدمًا ولم تعد له قيمة.

نحن بحاجة ماسة إلى إعادة النظر فى مناهج التعليم فيما يتعلق باللغة العربية نحو جعل اللغة أكثر يسرًا، وبحاجة ماسة أيضًا إلى إحياء دعوة توفيق الحكيم حين نادى بـ«لغة وسيطة مفهومة» وطالب بتعميم لغة أرفع وأجمل فى الفن والثقافة. وطالما تناولنا اللغة فإن علينا أن ندقق كثيرًا فى كلمات الأغانى التى تروج والتى تفتح لها المنافذ الإعلامية الرسمية ذراعيها.

وعندما اعترضت إذاعة الأردن ذات يوم على إذاعة أغنية «ياما القمر على الباب» كانت تعترض على الصورة الأدبية وليس على الألفاظ، لكننا الآن أحوج ما نكون لمراجعة هذا السيل المتدفق من الوساخة اللفظية التى تغمر الآذان فى الشوارع والميكروباصات. واقرأ كلمات من المطرب حمو بيكا: «وحياة أمك خف تعوم عندى»، وانظر بعد ذلك كلمات أغانى مجدى شطة وما شابه.

من ناحية أخرى فإن الانسياق المبالغ فيه وراء العامية يمثل خطرًا، لأن بمصر عدة عاميات، لدينا عامية صعيدى، وأخرى إسكندرانى، وثالثة بدوية فى سيناء، ورابعة قاهرية، وهلم جرا، بينما تقوم اللغة، وقامت دومًا، بدورها كوسيلة تفاهم جامعة، قومية، قادرة على تحقيق التفاهم والتواصل بين معظم أبناء الشعب برغم لهجاته المتعددة. لذلك نظل فى أمس الحاجة للنظر فى لغتنا العربية، وفى وضعها فى متناول الطلاب، وفى تنقية الفن من الاعتداء الجمالى على اللغة، وفى التوسل إلى المسئولين لكى يراجعوا خطاباتهم قبل إلقائها، وإلا سنظل نراوح مكاننا على درجة «مهلن.. ولاكن.. وإلى متـا».